تعيش العلاقات بين فرنسا والجزائر على وقع تصعيد مستمر، منذ أن قررت فرنسا الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، ودعم مخطط الحكم الذاتي كحل وحيد لحل هذا النزاع، ورد الفعل الجزائري على هذا القرار، بسحب سفيرها من باريس، وما استتبعه من خطوات فرنسية ضد الجزائر، كان آخرها ما أعلنت عنه فرنسا، يوم الاثنين 17 مارس، عن إلغاء الإعفاء من التأشيرة للمسؤولين الجزائريين، الحاملين لجوازات دبلوماسية.
وقبل ذلك كانت فرنسا، قد اتخذت قرارات ترحيل تهم عددا من المواطنين الجزائريين، المقيمين على أراضيها، رفضت الجزائر تسلمهم، كما وصلت هذه الأزمة، حد الدعوة لفرض مزيد من التضييق والإجراءات على الجزائريين، الراغبين في دخول فرنسا، ومراجعة كافة الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في هذا المجال.
ويتفاقم التوتر الذي يخيم على العلاقات بين البلدين، حيث وصل إلى حد مطالبة وزير العدل الفرنسي، باستدعاء السفير من الجزائر، وتطبيق إجراءات عقابية أخرى على الجزائر، لحين امتثالها لمطالب باريس، مما يطرح تساؤلات عن مآلات هذه الأزمة.
وفي هذا السياق قال خالد الشيات، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية في جامعة محمد الأول بوجدة، إن هذا التوتر مرتبط بالتزاحم السياسي، في الداخل الفرنسي على مفاهيم يمينية، والمرتكزة على الهجرة، ورغبة الجزائر في صعود اليسار للحكومة، حتى يعيد ترتيب هذه العلاقات على نحو يخدمها.
واستبعد المحلل السياسي أن يتم ذلك في الوقت الراهن، نظرا لقوة التيار اليميني الجارف، واضعا مسارين يمكن أن تشهدهما الأزمة الحالية، “فالأول سيكون بممارسة المزيد من الضغط على الجزائر لتليين مواقفها وتقديم تنازلات معينة، وملائمتها مع الظرفية الحالية، والثاني من خلال التضحية بوزير الداخلية الفرنسي، وتقديم مخرجات تلطيفية للأزمة”.
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن الجزائر، “لن تستفيد من هذه المواقف على المستويين المتوسط والبعيد، لأنها دخلت في العداء المطلق للمنظومة اليمينية، وستعيش في عزلة سياسية تامة، مع تزايد النفوذ اليميني على المستوى الحكومي الحالي، وحتى على مستوى الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل مؤشرات تصاعد الزخم اليميني في فرنسا”.
وأوضح الشيات، أن هذه الأزمة هي نتيجة للتحولات العميقة التي تعرفها فرنسا، والجزائر تتعامل معها باستخفاف، مشيرا إلى أن الجزائر “كان عليها أن تضع الموقف الفرنسي، المؤيد لمغربية الصحراء في حجمه، واعتباره اختيارا سياديا واستراتيجيا للدولة الفرنسية، وأن لا تسعى لتغييره، غير أن المنطق الغريب الذي يحكم صناع القرار في الجزائر، باعتبارها قوة عظمى جعلها تعتقد انها ستقابل القوى العظمى”.
وختم المحلل السياسي بالقول أن هذا الأمر مكلف للدولة الجزائرية، إذ أن قوتها مرتبطة بإنتاجيتها الطاقية، حيث تسعى لاستغلال حاجة فرنسا وأوروبا لتدفق الغاز الجزائري، وأن هذا الأمر يمكن أن يكون عاملا للضغط على فرنسا، متناسية أن هذا العامل لن تقبل به فرنسا، في شأن حيوي بالنسبة إليها.
ولفت إلى أن الأمر “قد يصل إلى مستوى جد متقدم من الأزمة، ومن أشياء أخرى، بما فيها التدخل في الشأن الجزائري، بالقدر الذي سيضمن استمرار المزايا القادمة، من الجزائر الى فرنسا بدون مقابل سياسي، وهذا ما لم تفهمه الجزائر”، حسب الشيات.