قال الخبير في الشؤون السياسية هشام معتضد إن الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء تحل هذه السنة في لحظة فارقة من التاريخ المغربي الحديث، حيث يلتقي البعد الرمزي بالمكتسب الدبلوماسي، وتتقاطع الذاكرة الوطنية مع التحول الاستراتيجي في موقع المغرب الإقليمي والدولي.
وأوضح معتضد، في تصريح صحفي لجريدة “سفيركم”، أن المسيرة الخضراء لم تعد مجرد حدث تاريخي، بل تحولت إلى منظومة فكرية وسياسية تشكل قاعدة للعقل الاستراتيجي للدولة المغربية، ومنهجا في إدارة الزمن الوطني على المدى الطويل.
وأضاف معتضد أن المسيرة الخضراء، منذ عام 1975، كانت مشروعا متكاملا في الهندسة السياسية الملكية، حيث أظهرت عبقرية الدولة في تحويل الفعل الشعبي إلى فعل سيادي مؤسس، وبعد مرور نصف قرن، يتجدد هذا الفعل الرمزي في سياق تتويج الجهود المغربية بقرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي الحل الواقعي والدائم للنزاع حول الصحراء المغربية.
وأشار الخبير السياسي إلى أن هذا التحول الدولي لم يكن صدفة دبلوماسية، بل نتيجة تخطيط استراتيجي متراكم بني على مدى خمسة عقود من الرؤية الملكية المتواصلة، مؤكدا أن المغرب استطاع أن يوازن بين الثابت والمتغير، وبين الرمزي والعملي، وبين المبادئ والسياسات في إدارة ملفاته المصيرية.
و أبرز أن الخطاب الملكي الأخير أظهر نضج الدولة المغربية في إدراك أن الوحدة الترابية ليست مسألة حدود فقط، بل قضية إنسانية وتنموية، مشيرا إلى أن دعوة الملك إلى سكان مخيمات تندوف ونداءه للحوار الأخوي مع الجزائر يؤكد أن المشروع المغربي في الصحراء مشروع من أجل الجميع، وليس ضد أحد.
وشدد معتضد على أن المسيرة الخضراء أصبحت اليوم رمزا للاستمرارية في السيادة أكثر منها ذكرى للنضال الوطني، إذ تحولت إلى نموذج لتفاعل الذاكرة مع المستقبل، ما يجعلها قوة ناعمة تضمن تماسك الأمة وتغذي مشروع الدولة الحديثة.
و اختتم الخبير السياسي تصريحه بالتأكيد على أن الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء تؤشر على انتقال المغرب من الدفاع إلى البناء، ومن رد الفعل إلى صناعة الفعل، معتبرا أن الدولة المغربية اليوم تتعامل مع ملف الصحراء كركيزة أساسية في حضورها القاري والدولي، عبر استثماراتها ومبادراتها الإفريقية ودبلوماسيتها الاقتصادية بقيادة الملك محمد السادس..مشيرا إلى أن المسيرة الخضراء بعد خمسين عاما لم تعد حدثا يحتفى به فقط، بل منظومة تفكير تمارس، تجسد العمق التاريخي والنضج السياسي والذكاء الاستراتيجي للعقل المغربي، وتؤكد أن المغرب دولة تعرف كيف تعيد هندسة رموزها لتبقى وفية لجوهرها وفاعلة في محيطها وواثقة في مشروعها الحضاري المستقبلي

