كشفت دراسة حديثة أن العلاج الإشعاعي بجرعات عالية، الذي يعتبر من أهم أساليب علاج السرطان، قد يؤدي تحت ظروف معينة إلى تفاقم المرض عبر تحفيز انتشار الأورام في مناطق بعيدة لم تتعرض للإشعاع.
وأجرى هذه الدراسة التي نُشرت نتائجها في كل من مجلة “Nature” وموقع “South China Morning Post“، مركز أبحاث السرطان بجامعة شيكاغو، بقيادة العالمة الصينية يانغ كايتينغ، التي تشتغل منذ سنة 2023 كأستاذة مساعدة بقسم الأشعة والأورام في الجامعة، قبل أن تعود إلى الصين السنة الماضية لتشغل منصب أستاذة في كلية العلوم الطبية والهندسة الحيوية بجامعة جنوب الصين للتكنولوجيا.
وأبرزت الدراسة أنه في الوقت الذي يستخدم فيه العلاج الإشعاعي بشكل كبير في علاج الأورام السرطانية، سواء بمفرده أو ضمن خطة علاجية تشمل الجراحة والعلاج الكيميائي، للحد من نمو الأورام الموضعية، أظهرت النتائج أن الجرعات العالية من العلاج الإشعاعي تتسبب في نمو الأورام بشكل كبير في المناطق الأخرى التي لم تتعرض للإشعاع.
وأوضح البروفيسور رالف فيكسلباوم، رئيس قسم الأشعة والبيولوجيا الخلوية في جامعة شيكاغو، وهو من مؤلفي الدراسة، أن الفريق العلمي افترض إمكانية أن ترسل الجرعات العالية من الإشعاع إشارات بيولوجية غير مباشرة تُحفز نمو الأورام في أماكن لم تصلها الأشعة، وهو ما قد يُفسر فشل بعض حالات العلاج.
وعمد الباحثون إلى تحليل عينات خزعية من 22 مريضا يعانون من أنواع مختلفة من الأورام، تلقوا جميعهم علاجا إشعاعيا بجرعة عالية يعرف باسم “العلاج الإشعاعي التجسيمي” (SBRT)، وقد أظهرت النتائج أن حجم الأورام المنتشرة قد ازداد بعد تلقي العلاج، ما يشير إلى وجود علاقة بين الإشعاع العالي وتحفيز نمو هذه الأورام.
ولاحظ الفريق المشرف على هذه الدراسة، من خلال التحليلات الجينية قبل وبعد العلاج، زيادة ملحوظة في نشاط الجين المسؤول عن إنتاج بروتين يُدعى “أمفيريجولين” (Amphiregulin)، وهو بروتين يرتبط بمستقبلات النمو في الخلية ويُنشّط مسارات معقدة تتحكم في بقاء الخلية ونموها وحركتها وموتها.
وأظهرت التجارب الإضافية التي أجريت على فئران مصابة بسرطان الرئة والثدي، بهدف التحقق من صحة نتائج الدراسة، أن العلاج الإشعاعي أدى إلى زيادة إنتاج “أمفيريجولين” في الخلايا السرطانية وفي الدم، ما ساهم في تعزيز نمو الأورام المنتشرة الموجودة، حتى وإن قلل من نشوء أورام جديدة.
واستخدم الباحثون في هذه الدراسة، تقنيات حديثة، مثل “كريسبر” (CRISPR) لتعديل الجين المسؤول عن إنتاج البروتين، بالإضافة إلى أجسام مضادة لتعطيله، فلاحظوا انخفاضا واضحا في حجم الأورام وفي مدى انتشارها بين الفئران التي تلقت العلاج الإشعاعي.
وأطلق الفريق على هذه الظاهرة اسم “التأثير السيئ البعيد” (Bad Scopal Effect)، في إشارة معاكسة لـ”التأثير البعيد” المعروف (Abscopal Effect) الذي يُشير إلى انكماش الأورام البعيدة في الأماكن التي لم يشملها العلاج الإشعاعي، على عكس حالة الدراسة حيث ساهم العلاج في تحفيز نمو أورام بعيدة.
وفي هذا الصدد، قال البروفيسور فيكسلباوم: “هذه المعطيات تفتح آفاقا جديدة لفهم تأثيرات العلاج الإشعاعي. وبناء عليها، نخطط لإطلاق تجارب سريرية جديدة للتأكد من صحتها واستكشاف سُبل تقليل آثارها الجانبية”.
وشدد الباحثون على أن نتائج هذه الدراسة لا تطعن في فعالية العلاج الإشعاعي في محاربة السرطان، لكنها تؤكد على ضرورة التعامل بحذر مع الجرعات العالية، ومراعاة التأثيرات غير المباشرة التي قد تزيد من انتشار المرض بدلا من احتوائه.