ربطت دراسة حديثة بين التعرض لصدمات الطفولة وإمكانية الإصابة بآلام مزمنة، من قبيل آلام الظهر والعنق، ولاسيما خلال فترة البلوغ، حيث ترتفع مخاطر الإصابة بهذا النوع من الألم بعد المرور من تجارب سلبية أو صدمات عاطفية في مرحلة الطفولة، يبقى أثرها طويلا على الصحة والذهن.
وجاء في هذه الدراسة التي نشرت نتائجها على الدورية الأوروبية “Psychotraumatology”، أن تجارب الطفولة السلبية، تنقسم إلى مباشرة من قبيل الإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية، أو الإهمال من قبل الوالدين أو الراعي، وكذا إلحاق ضرر مباشر بالطفل أو المراهق، أو غير مباشرة من خلال اضطرابات الأسرة أو وفاة الوالدين أو الطلاق أو مرض أحد الوالدين أو إدمان المواد الكيميائية.
وبحثت هذه الدراسة التي قادها عدد من الباحثين من جامعة “مكجيل” الكندية، في العلاقة الرابطة بين التعرض لصدمات الطفولة والألم المزمن في فترة البلوغ.
وصرح أندريه بوسيير، الباحث الرئيسي والمؤلف المتساوي للدورية، قائلا: “هذه النتائج مقلقة للغاية، خاصة أن أزيد من مليار طفل، أي ما يعادل نصف سكان أطفال العالم يتعرضون لتجارب سلبية كل عام، مما يعرضهم لمخاطر متزايدة لتجربة الألم المزمن والإعاقة لاحقًا”.
وأضاف بوسيير: “هناك حاجة عاجلة لتطوير تدخلات مستهدفة ونظم دعم لكسر دورة الصعوبات وتحسين النتائج الصحية على المدى الطويل للأفراد الذين تعرضوا لصدمات الطفولة.”
وأجرى الباحثون تحليلًا شاملًا لـ85 دراسة تم القيام بها على مدى 75 سنة الماضية، شارك فيها ما مجموعه 826،452 بالغًا، واستبعدت هذه الدراسات الفئات عالية المخاطر، مثل المشردين أو المسجونين، لأن قليلين منهم من يتعرضون لتجارب سلبية في الطفولة.
واستثنت الدراسات كذلك الأشخاص الذين وُلدوا بشكل خطير قبل الأوان، لأن هذا الأمر يعدل مسار الألم، مما يؤدي إلى تغييره في فترة البلوغ، واستبعدت أيضا أولئك الذين لديهم تفسيرات واضحة لألمهم، مثل الكسور أو الالتواءات أو الحروق أو الأمراض أو العصبية أو السرطان.
وتوضح الدراسة أنه بالمقارنة مع من لم يبلغوا عن تجارب سلبية في الطفولة، زادت فرص الإبلاغ عن حالات الألم المزمن فيما بعد بنسبة 45 بالمئة في صفوف الأفراد الذين تعرضوا لتجربة سلبية مباشرة، بما في ذلك الإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية أو الإهمال.
وأكدت الورقة البحثية على أن الأفراد الذين أبلغوا عن إساءة جسدية في الطفولة، كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن الألم المزمن والإعاقة المرتبطة بالألم في فترة البلوغ.
وشملت الآلام المزمنة، حدوث اضطرابات مؤلمة في الجهاز العضلي الهيكلي (MSDs)، والتهاب المفاصل، وآلام الظهر أو العنق، والتصلب الليفي، والصداع والشقيقة، واضطراب القولون العصبي، وآلام الحوض، كما أن التعرض لتجارب سلبية في الطفولة رفع من مخاطر الإعاقة المرتبطة بالألم.
وقال الباحثون: “تشير نتائجنا إلى أن التعرض لتجارب طفولية سلبية يرتبط بأكثر حالات الألم المزمن شيوعا وتكلفة، بما في ذلك آلام الظهر والعنق وغيرها من اضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي، والتي تتطلب إنفاق أعلى مقارنة بحالات صحية أخرى”،ط.
وتابعت الدراسة أن “الأشخاص الذين تعرضوا لتجارب سلبية في طفولتهم يكونون أكثر ميلا إلى تحمل عبء مرض مزمن أكبر، وعوائق للمشاركة في العلاج، واستخدام أكبر للرعاية الصحية في فترة البلوغ”.
وقال يان هارتفيجسن، كبير مؤلفي الدراسة: “تؤكد هذه النتائج على ضرورة التصدي لتجارب الطفولة الضارة، خاصة في ظل انتشارها وانعكاساتها الصحية”.
وخلص إلى أن “الفهم العميق للعلاقة بين تجارب الطفولة السلبية والألم المزمن، سيمكن المختصين وصانعي السياسات من وضع استراتيجيات مستهدفة للمساعدة في التقليل من التأثير طويل الأمد للصعوبات المرتبطة لالطفولة على صحة البالغين”.