قراءة في النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى 2024:
تم الإعلان في أوائل شهر نونبر 2024 على النتائج الأولية للإحصاء العام للسكان والسكنى الذي نظم في شهر شتنبر 2024، حيث اقتصر على نشر المعطيات المتعلقة بالسكان القانونيين للمملكة: عدد السكان وعدد الأسر، السكان الحضريين والسكان القرويين، السكان الأجانب والسكان المغاربة، عدد السكان والأسر على مستوى الجهات والأقاليم والجماعات… فيما لم يتم نشر بعد نتائج الإحصاء المتعلقة بالسكنى وبالخصائص الثقافية والسوسيو–اقتصادية للسكان والتي بخلاف عدد السكان والأسر تم الاقتصار في عملية الإحصاء على عينة نسبتها 20 بالمائة.
والكثير من الناس شكك في مصداقية نتائج الإحصاء، وهذا التشكيك اعتدنا عليه في كل إحصاء عام للسكان والسكنى. لكن، من جهة تبقى هذه الأرقام رسمية وليس هناك بديلا عنها، ومن جهة ثانية في جميع العمليات الإحصائية هناك احتمال إغفال نسبة معينة من المطلوب إحصاؤه ولكن ينبغي أن تكون نسبة معقولة ومقبولة.
وما نشر من النتائج، حسب أغلب المختصين والمهتمين بالقضايا الديموغرافية، تعكس بنسبة لا بأس بهاالصورة العامة للوضع الديموغرافي للبلاد.
ولقد قامت المندوبية السامية بتحليل أولي لنتائج الإحصاء، وأرى بأن يساهم الخبراء والمختصون في تقديم ونشر تحليلاتهم. من هذا المنطلق قمت بدراسة لنتائج الإحصاء وانتهيت إلى هذه الخلاصات:
– ارتفاع ضعيف لعدد السكان:
كما كان متوقعا لم يتجاوز العدد الإجمالي لسكان المغرب 37 مليون نسمة، مع أن البعض كان يتوقع أن يصل العدد إلى 40 مليون نسمة، هو كذلك إذا أضفنا ال6 ملايين مغترب. لكن الخبراء كانوا يعلمون جيدا أن عدد السكان لن يزداد كثيرا، والعداد الموجود في موقع المندوبية السامية للتخطيط كان يقترب من العدد الذي تم الإعلان عنه وهو 36.828.330 نسمة، بزيادة 2.980.088 نسمة عن سنة 2014 التي كان العدد فيها هو 33.848.242 نسمة، أي بزيادة قدرها 8.8 بالمائة خلال عشر سنوات، وهي أقل نسبة زيادة عرفها المغرب منذ أول إحصاء عام 1960. وإذا تم الاستمرار بنفس نسبة التزايد في العشر سنوات القادمة أي في أفق سنة 2034 فإن عدد سكان البلاد بالكاد سيصل إلى 40 مليون نسمة، فيما تتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يصل العدد فقط إلى 43.561.789 نسمة في عام 2050.
– التراجع الكبير لمعدل النمو الديموغرافيالسنوي:
يرجع سبب ضعف زيادة عدد سكان البلاد إلى تراجع معدل النمو الديموغرافي السنوي، فبعدما كان أقل من 1بالمائة في بداية القرن، بسبب كثرة الوفيات بالرغم من الولادات المرتفعة، وصل إلى أرقام قياسية ما بين 1960 و1971 إذ وصل إلى 2.6 بالمائة وذلك بفضل استمرار ارتفاع الولادات وتراجع الوفيات بسبب تقدم الخدمات الصحية وتحسن مستوى العيش. إلا أنه بعد عام 1994 سيبدأ معدل النمو الديموغرافي في التراجع بسبب تراجع معدل الوفيات حيث ارتفع أمل الحياة من 47 سنة في 1960 ليصل الان إلى حوالي 77 سنة أي بأقل من 3 سنوات عن المعدل السائد في الدول المتقدمة، لكن العامل الأساسي كان هو التراجع الكبير لمعدل الولادات وذلك يرجع لعدة أسباب أهمها: انتشار العزوف عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة بسبب المشاكل الاجتماعية التي يعرفها المجتمع أساسا ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، ولنفس الأسباب تقريبا ارتفاع معدلات الطلاق إلى أرقام قياسية، تأخر سن الزواج بسبب عمل المرأة وتحسن المستوى التعليمي للسكان، انتشار نموذج الأسرة الصغيرة المكونة من ولدين أو ولد واحد…
لكن، يبقى أن معدل النمو الديموغرافي الذي وصل إليه المغرب مبكرا مقارنة مع الدول المتقدمة، يبقى مؤشراخطيرا قد يصاب به البلد بالشيخوخة المبكرة ويفقد أهم مؤهلاته المتمثلة في البنية الشابة. فالمعدل الحالي 0.85 بالمائة هو أقل من المعدل العالمي الذي هو 0.9 بالمائة، وأقل بكثير من جيرانه في القارة السمراء التي أغلب دولها يزيد المعدل فيها عن 3 بالمائة، وأقل من معظم الدول العربية بما في ذلك البلدان المغاربية، كما أنه أقل من الدول الصاعدة كتركيا والهند وجنوب أفريقيا، ويقترب من المعدل السائد في بعض البلدان الغربية التي تستعين في ديناميتها الديموغرافية بالمهاجرين من الدول الفقيرة.
– ارتفاع كبير لعدد الأسر وتقلص متوسط حجم الأسرة حسب إحصاء 2024:
ارتفع العدد الإجمالي للأسر بشكل كبير، من 7.313.806 أسرة في عام 2014 إلى 9.275.038 أسرةفي عام 2024، بزيادة بلغت 1.961.232 أسرة، أي بنسبة تعادل 26.82%. إذ ارتفع عدد الأسر بين التاريخين بنسبة 2.4 بالمائة سنويا وفي الوسط الحضري بمعدل أكبر قليلا يصل إلى 2.5 بالمائة سنويا بينما ينزل في الوسط القروي إلى 2.2 بالمائة، أي حوالي ثلاثة أضعاف المعدل السنوي لنمو عدد السكان.
وهذا النمو الكبير يفسر بتراجع الأسرة الأبوية أو الأسرة الممتدة لحساب الأسرة النووية المكونة من الزوجين وأولادهما، كما يفسر بتراجع معدل الخصوبة التي تقلصت من 7.1 طفل لكل امرأة في عام 1960 إلى 2.1 طفل في عام 2024، وهو بالكاد المعدل الذي يسمح بتجدد الأجيال.
كما أن هناك انتشار ظاهرة الأسرة المكونة من فرد واحد خصوصا في المدن الكبرى التي تعرف استقطابا للعمال المهاجرين العزاب.
وهكذا نجد أن متوسط حجم الأسرة انتقل من 4.6 أفراد في عام 2014 إلى 3.9 أفراد فقط في عام 2024، وفي الوسط الحضري تقلص حجمها من 4.2 إلى 3.7 أفراد وفي الوسط القروي من 5.3 إلى 4.4 أفراد.
وللمقارنة نورد وضعية بعض الدول:
– ارتفاع كبير لعدد الأجانب:
وبخصوص عدد الأجانب المقيمين بالمغرب، فإن عددهم ارتفع من 86.206 نسمة سنة 2014 إلى 148.152 نسمةفي عام 2024، بزيادة بلغت 61.946 نسمة وبنسبة قدرت بـ71,86 بالمائة. لكنه لم يتم تحديد الوضعية القانونية للأجانب الذين تم إحصاؤهم هل كل الأجانب أم فقط الذين لهم إقامة رسمية، أكيد هؤلاء لأن المقيمين بصفة غير قانونية يصعب إحصاؤهم. لذلك، شكك أغلب الناس في هذه الأرقام واعتبروا أن العدد أكبر بكثير، خصوصا وأنهم يشاهدون آلاف المهاجرين غير الشرعيين في مختلف المدن المغربية.
طبعا، عدد الأجانب في الماضي كان أكبر، فعند حصول المغرب على استقلاله في عام 1956 كان يقدر عدد الأجانب بحوالي 400 ألف نسمة خصوصا من الفرنسيين والإسبان، لكن في عام 1971 لم يتم إحصاء سوى 111.900 أجنبي وتقلص العدد في عام 1994 إلى 45 ألف أجنبي فقط.
– تركز السكان في خمس جهات وجهة الدر البيضاء-سطات يقطنها خمس سكان المملكة:
يتركز 71.2 بالمائة من سكان المملكة في خمس جهات وهي بهذا الترتيب: جهة الدار البيضاء-سطات وجهة الرباط-سلا-القنيطرة وجهة مراكش-آسفي وجهة فاس-مكناس وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، وباقي السكان أي حوالي 29 بالمائة يتوزع على باقي الجهات أي سبع جهات.
وهذا التفاوت الديموغرافي المجالي تاريخي وليس طارئ، فالجهات الخمس هي الجهات التي عرفت ولا تزال تنمية كبيرة وهي التي توجد فيها الأقطاب الحضرية الكبرى، بل المراكز التاريخية الرئيسية، حيث نجد العواصم التاريخية الأربعة للمملكة (فاس ومراكش والرباط ومكناس)، بالإضافة إلى طنجة كأقدم مدينة في المغرب وعاصمة الإقليم الروماني موريتانيا الطنجيةوالمدينة الرئيسية للبلاد من الفتح الإسلامي إلى غاية تأسيس مدينة فاس على يد مولاي ادريس الثاني.
وباستثناء جهة فاس-مكناس فالجهات الأربع الأخرى لها إطلالة على البحر وخصوصا على الواجهة الأطلسية، ومعلوم أن محور طنجة الجديدة هو المحور الاقتصادي الرئيسي للمملكة.
وتبقى جهة الدار البيضاء-سطات هي الجهة التي تحتضن نسبة كبيرة من سكان المغرب تتجاوز خمس السكان.
– الاستقرار النسبي لعدد السكان القرويين:
لم يعرف عدد السكان القرويين بالمغرب ارتفاعا ملحوظا، بل يمكن القول إن عددهم ظل جامدا أو مستقرا منذ عام 2004، وبالضبط في عدد 13 مليون نسمة: 13.4 مليون في عامي 2004 و2014 و13.7 مليون في عام 2024.
ويمكن تفسير الجمود الديموغرافي لعدد السكان القرويين إلى تراجع موجات الهجرة التي كانت تعرفها العقود السابقة بسبب الجفاف أو بسبب ضعف مناصب الشغل المتاحة أو بسبب ضعف المرافق العمومية آنذاك في أغلب مناطق الوسط القروي…
وبالرغم من أن العدد ظل جامدا نسبيا، إلا أن إطار العيش في العالم القروي بالمغرب بحسب التصميم الوطني لإعداد التراب يكفي فقط ل10 ملايين نسمة، بمعنى أنه لا يزال هناك فائض ديموغرافي في القرى والأرياف المغربية يقدر بأكثر من 3.7 ملايين نسمة. بل لا تزال بعض المناطق القروية تعرف كثافات مرتفعة، خصوصا في المناطق السقوية وفي الواحات وفي سلسلة جبال الريف، وهذا ما ينتج عنه المزيد من الضغوطات على الأوساط البيئية، خصوصا مع تنامي الظواهر المرتبطة بالتغيرات المناخية.
– استمرار ارتفاع نسبة التحضر:
ارتفع عدد السكان الحضريين من 20.432.439 نسمة سنة 2014 إلى 23.110.108 في عام 2024 بزيادة قدرها 2.677.669 نسمة وبنسبة 13.1 بالمائة وبمعدل 1.31 بالمائة سنويا، وهو أقل بكثير من المعدل الذي سجل ما بين 1960 و2024 وهو 3.04 بالمائة سنويا، وفي المقابل لم يتجاوز معدل نمو السكان القرويين في الفترة نفسها 0.8 بالمائة.
لكن يلاحظ أن نسبة التحضر لم ترتفع كثيرا بين عامي 2014 و2024 حيث ازدادت بنقطتين فقط، وهذا قد يعني أن الفضاء الحضري للمغرب وصل إلى درجة الإشباع الديموغرافي، أو لأن ساكنة العالم القروي أضحت راضية على مستوى العيش في قراها وأريافها، مستوى العيش الذي ينبغي أن نعترف بأنه تحسن بشكل كبير في العقود الثلاثة الأخيرة: انتشار نسبة من التنمية المحلية، تعزيز المناطق القروية بتجهيزات البنية التحتية الأساسية من طرق وشبكة للكهرباء والماء الصالح للشرب، بلوغ نسبة لا بأس بها من المرافق العمومية الأساسية من مدارس ومراكز صحية ودور الرعاية الاجتماعية…
– أصبح للمغرب أربع مدن مليونية:
انتقال عدد المدن المليونية من مدينتين فقط في 2014 هما الدار البيضاء وفاس إلى أربع مدن في 2024 هي بهذا الترتيب: الدار البيضاء وطنجة وفاس ومراكش، ويمكن في السنوات القليلة القادمة أن يصل العدد إلى خمسة بالتحاق مدينة سلا التي اقترب عدد سكانها من المليون.
وهذه المدن الأربعة يقطن بها حوالي 29 بالمائة من السكان الحضريين وأكثر من 18 بالمائة من مجموع سكان البلاد. ومع ذلك، يبقى الجهاز الحضري المغربي بعيدا عن ظاهرة الرأس الكبير (ماكروسيفالي) التي تعرفها العديد من دول العالم مثل القاهرة في مصر.
– زيادة عدد المدن الكبرى التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة:
ارتفاع عدد المدن الكبرى التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، من 36 مدينة في 2014 إلى 48 مدينة في 2024، بزيادة 14 مدينة ومغادرة مدينتين نادي المدن الكبرى وهما مدينة بركان ومدينة الفقيه بنصالح اللتان تراجع عدد سكانهما وقل عن 100 ألف نسمة وينبغي البحث عن سبب هذا التراجع. ملاحظة أخرى هي تغير ترتيب المدن الكبرى منها ما تراجع ترتيبها ومنها ما تقدمت، فنجد مدينة دار بوعزة انتقلت من الرتبة 21 إلى 13 ومدينة بوسكورة من الرتبة 34 إلى الرتبة 19 ومدينة الداخلة من الرتبة 32 إلى الرتبة 24، فيما تراجعت مدينة تاوريرت من الرتبة 33 إلى الرتبة 47.
– طنجة تصبح ثاني مدينة في المغرب لأول مرة في تاريخها:
بسبب المشاريع التنموية الكبيرة التي استقبلتها المدينة، من المركب المينائي طنجة المتوسط إلى المناطق الصناعية التي أصبحت تشغل 200 ألف عامل إلى مشاريع البنية التحتية… بدأ النمو الديموغرافي للمدينة يزداد بوتيرة أسرع من كل المدن المغربية، حيث انتقل العدد إلى حوالي 944 ألف نسمة عام 2014 وأصبحت بذلك ثالث مدينة بعد الدار البيضاء وفاس متجاوزة الأقطاب الحضرية التاريخية كمراكش والرباط وسلا، ثم أخيرا تجاوزت مدينة فاس وأصبحت القطب الحضري الثاني والقطب الاقتصادي الثاني للمملكة حيث أظهرت نتائج الإحصاء العام لسنة 2024 أن عدد سكان المدينة وصل إلى مليون و275 ألف نسمة.
– النمو البطيء لمدينة فاس وتراجعها من الرتبة الثانية إلى الرتبة الثالثة:
إذ انتقل عدد سكان المدينة من 1.112.072 نسمة في عام 2014 إلى 1.167.842 نسمة في عام 2024 بزيادةبسيطة تقدر ب55.770 نسمة أي بنسبة 5 بالمائة فقط طيلة 10 سنوات بمتوسط زيادة سنوية 0.5 بالمائة، وهوأقل من نسبة النمو الوطنية التي قدرت ب0.85 بالمائة.
ويمكن تفسير هذا الركود الديموغرافي بالركود الاقتصادي الذي تعيشه المدينة، بحيث تراجعت جميع القطاعات الاقتصادية بالمدينة، فلم تعد الرائدة في الصناعة التقليدية، ولم تعرف استثمارات مهمة في القطاع الصناعي، كما أن قطاع السياحة بها سواء السياحة الداخلية أو الدولية ظل محدودا ولم يتطور بالرغم من المؤهلات الكبيرة والمتنوعة التي تزخر بها. والمدينة طيلة العقود السابقة ظلت تكبر ديموغرافيا دون أن يرافق ذلك تنمية اقتصادية كبيرة.
– استمرار تراجع سكان مدينة الرباط:
إذ فقدت المدينة ما بين 2004 و2024 ساكنة تقدر ب111.564 بنسبة حوالي 18 بالمائة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن مدينة الرباط أصبحت مدينة مغلقة تحيط بها أسوار طبيعية واصطناعية تتمثل في واد أبي رقراق في الشمال والمحيط الأطلسي في الغرب والحزام الأخضر في الجنوب الذي أمر بتشجيره الراحل الحسن الثاني كفاصل طبيعي بين الرباط وتمارة ثم عكراش من جهة الشرق. وأصبحت المدينة مدينة طاردة لسكانها إذ توسع قطاع الخدمات والإدارة العمومية على حساب القطاع السكني، وأصبحت المدينة فضاء للعمل والمدن والمراكز الحضرية الكوكبية التي انتشرت في محيطها مؤخرا إلى مدن منامية أو مقر إقامة العاملين في الرباط.
– لأول مرة في تاريخها عدد سكان مدينة الدار البيضاء في تراجع:
إذ تراجع عدد سكان العاصمة الاقتصادية من 3.357.173 نسمة سنة 2014 إلى 3.215.935 سنة 2024، بحيث نقص 141.238 نسمة بنسبة 4.2 بالمائة، وبالنظر إلى المقاطعات يلاحظ أن 14 مقاطعة من أصل 16 مقاطعة عرفت تراجعا لعدد سكانها، والمقاطعتان اللتان ازداد عدد سكانهما هما مقاطعة الحي الحسني ومقاطعة سيدي مومن، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة وتحليل، والاستنتاج الأولي الشخصي هو أن مدينة الدار البيضاء عرفت نفس الوضع الذي عرفته مدينة الرباط.
– المدينة الجغرافية والمدينة الإدارية:
ينبغي التنبيه إلى أن المعطيات الديموغرافية للمدن المغربية، في عمومها ليست دقيقة، بالنظر إلى أن العملية الإحصائية تهم المدينة الإدارية التي هي عبارة عن الجماعة المحلية عوض المدينة الجغرافية التي هي كل الامتدادات العمرانية للمدينة، فنجد في أغلب المدن الكبرى المغربية أجزاء ترابية منها يكون تابعا لجماعة أخرى ولا يعتبر سكان هذه الأخيرة جزء من سكانها، مع العلم أن سكان هذه الجماعة المجاورة يشتغلون ويدرسون ويتسوقون ويرتادون مرافق المدينة الأم وأن جماعتهم ما هي إلا مقرا لسكناهم فقط. بل أكثر من ذلك، نجد أن بعض التجمعات السكنية التي توجد في ضاحية المدينة الكبيرة نجدها تحسب على تراب الجماعات القروية المحيطة بها. ولنأخذ على ذلك الأمثلة التالية:
– مثال مدينة طنجة التي ينتمي إداريا عددا من أحيائها بما في ذلك المنطقة الصناعية الحرة للمطار إلى جماعة جزناية، وهذه الأخيرة هي امتداد عمراني لمدينة طنجة، فإذا أضفنا عدد سكان جزناية وسكان التجمعات السكنية الأخرى الموجودة في الجماعات القروية المحيطة بمدينة طنجة فإن مجموع سكان هذه الأخيرة يمكن أن يتجاوز مليون و400 ألف نسمة.
– مثال مدينة القنيطرة التي إذا أضفنا لها جماعة المهدية التي تعتبر امتدادا عمرانيا لها، فسوف يقترب سكانها من 570 ألف نسمة.
– مثال مدينة مكناس التي يفصلها فقط واد ويسلان عن مدينة ويسلان، وهي أيضا الامتداد الشرقي لمدينة مكناس، فإذا جمعنا عدد سكان الجماعتين فإن عدد سكان مدينة مكناس سيتجاوز 660 ألف نسمة.
– الخلاصة:
يعتبر البعض بأن الوضع الديموغرافي الحالي وضع مريح غير مكلف للاستثمارات العمومية خصوصا المرافق العمومية وكذا نفقات تدبيرها، فمتوسط عدد السكان الذين انضافوا سنويا في السنوات الأخيرة حوالي 300 ألف نسمة وهو عدد أقل مما كان عليه الأمر في السبعينات، لدرجة أن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله قرر أن يشارك في المسيرة الخضراء 350 ألف نسمة وهو العدد الذي كان يزداد به البلد سنويا آنذاك. يمكن لهذا الوضع أن يكون مريحا في الوقت الحالي لكن على المدى البعيد ستكون له نتائج سلبية.
المؤشرات الديموغرافية للمغرب في عمومها مؤشرات مقلقة، خصوصا لبلد يسعى إلى أن ينتقل من مصاف الدول النامية إلى نادي القوى الصاعدة. فالاقتصاديات القوية هي الاقتصاديات التي لها أسواق داخلية كبيرة وطاقات عاملة شابة.
ولنأخذ مثال تركيا التي تعتبر إحدى القوى الصاعدة إذ ما فتئ رئيسها يطلب من النساء التركيات إنجاب 3 أطفال على الأقل “لدعم الأمة، وللمساهمة فى خفض نسبة الشيخوخة بينهم” حسب تعبيره، وارتفاع معدل المواليد يمكن أن يعزز بشكل كبير الناتج المحلي الإجمالي المحتمل لتركيا.
وبالرغم من بطء النمو السكاني، فإن المغرب لا يزال يعرف مشاكل اجتماعية مقلقة تتمثل أساسا في:
– اتساع قاعدة الفئات الفقيرة والفئات الهشة،
– وتقلص الطبقة الوسطى نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وجمود المداخيل،
– وكذلك ضعف الاستثمار الأمثل لموارده البشرية خصوصا الشباب، فحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن 4.3 ملايين شابة وشاب مغربي ما بين 15 و34 سنة “لا يشتغلون وليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين“.
تعليقات( 0 )