بقلم: يوسف اغويركات
في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب، حيث تتقاطع التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يبرز أمامنا سؤال جوهري، كيف نُحول التوترات والاحتجاجات والمطالب المتنوعة إلى طاقة جماعية لبناء مشروع وطني مشترك يعزز التعاقد الاجتماعي، ويؤسس لتفاعل مؤسساتي قائم على الشفافية والمحاسبة، ويُنمِّي ثقافة مدنية مسؤولة؟
لقد أثبت المغرب، منذ السنوات الأولى للاستقلال، مرورا بكل المحطات الصعبة، قدرته على تحويل الأزمات إلى فرص، عبر تجارب وطنية في إدارة الأزمات وتعبئة الطاقات، لم تكن مجرد قرارات رسمية، بل حملت في طياتها تضحيات جسيمة، دفع جزء من أبناء هذا الوطن ضريبتها سجنا ونفيا وملاحقات، في سبيل بناء وطن حر، عادل، ومتضامن. واليوم، أمام تعقّد التحديات وتنوع المطالب، تزداد الحاجة إلى مقاربة جديدة للإصلاح، قوامها الحوار الشامل، والمشاركة الواسعة، والمسؤولية المشتركة.
إن تجارب الحراك الاجتماعي، والمبادرات المدنية، والرسائل الإصلاحية التي تتردد في الفضاء العمومي، تكشف عن حاجة ملحة لإعادة التفكير في العلاقة بين المواطن والمؤسسات، بما يضمن تفاعلا صادقا، ويؤسس لمسار إصلاحي قائم على الإنصات، والمساءلة، والشفافية. فالإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالشعارات أو بالمواقف العابرة، بل بفتح فضاءات دائمة للتشاور، وتبادل الرأي، في مناخ يسوده الاحترام، والالتزام بالقانون، والقدرة على التغيير الملموس.
أولا: منطلقات الحوار الوطني
شمولية المشاركة: يجب أن يضم الحوار مختلف الأطياف السياسية، والاجتماعية، والفكرية، والثقافية، دون إقصاء أو استعلاء، ضمانا لتعدد الرؤى وتكامل الحلول.
الفضاءات العمومية والرقمية: ينبغي أن تكون مرآة حقيقية لهذا الحوار، تتحول فيها ردود الفعل الفردية إلى مشاريع جماعية بنّاءة.
قيم الحوار: يرتكز الحوار على قيم الاحترام، والتسامح، والمواطنة، وسيادة القانون، باعتبارها الضامن لبناء إصلاح تعددي ومستدام.
مراجعة الأولويات: من الضروري إعادة ترتيب السياسات الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق التوازن بين المشاريع الكبرى والخدمات الأساسية، ويقلص الفوارق المجالية والاجتماعية.
دروس التاريخ: تُظهر تجارب المغرب السياسية والمدنية أن الوحدة والوعي الجماعي هما الأساس لعبور الأزمات، وأن الانفتاح والتشاور سبيل لتجديد الثقة وتجاوز الانقسامات.
ثانيا: أهداف الحوار الوطني
- بلورة رؤية وطنية مشتركة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؛
- تحويل المبادرات الفردية والاحتجاجات المتفرقة إلى فعل جماعي منظم ومسؤول؛
- إرساء آلية مستدامة للتشاور بين الدولة والمجتمع، تعزز التفاعل والتعاقد الاجتماعي الجديد؛
- دعم الثقافة المدنية والمواطنة الفاعلة، باعتبارها حجر الزاوية لأي تحول ديمقراطي متوازن؛
- بناء علاقة جديدة بين المواطن والمؤسسات، تقوم على الشفافية والمساءلة والفعالية، بما يعيد الاعتبار لدورها في خدمة الصالح العام.
ثالثا: دعوة إلى الفعل المشترك
إن هذه الدعوة ليست بيانا رمزيا أو موقفا عابرا، بل منطلق لمسار وطني جديد، يفتح الباب أمام كل المبادرات والمساهمات الفردية والجماعية؛
ندعو المؤسسات الدستورية، والأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات، والباحثين، والإعلاميين، وكل القوى الحية في المجتمع، إلى الانخراط في هذا الورش الجماعي، عبر آليات مفتوحة للحوار والتفكير المشترك؛
فالمغرب، برصيدِه التاريخي، ووعيِ شعبه، وحكمة نخبه، ونباهة شبابه، ووعي مثقفيه، وتفاعل قواه الحية، قادرٌ على تحويل كل أزمة إلى فرصة للنهوض والتجديد.
ولنبدأ من الآن، بروح الوحدة والمسؤولية والأمل، في بناء فضاءات هذا الحوار، من أجل مغرب أكثر عدلا، وإنصافا، وتضامنا، وثقة في مستقبل آمن وواعد لأبنائنا.