بعد اعتذاري عن الغياب الجسدي، لا الروحي، عن الحفل الرمزي الجميل لموقع زون24، لظروف قاهرة، أقدم شكري إلى الزميل ياسين الحسناوي وإلى كل الزملاء القائمين على هذا المنبر، لأنهم فكروا في تكريم زميلات وزملاء المهنة بمناسبة الذكرى الأولى لتأسيس موقعهم.
إنها هدية عيد ميلادي الذي لم أحتفل به هذا الشهر، وأنتم منحتموني فرصة للاحتفال والإحساس بأن سنة تحديات أخرى قد انضافت إلى عمري. أرجو أن لا تأخذ مني الأمل في العيش الكريم فوق أرض لا نعيشها إلا مرة واحدة، ولهذا علينا أن نتأملها بين الفينة والأخرى، ونقتنص منها ما يزرع فينا القوة للاستمرار.
شكري الثاني أوجهه لكل من حضر هذا الحفل، الذي حمل شعار “المشهد الإعلامي بالمغرب.. أي صحافة نريد؟”، والذي يحتفي بالصحافة وأهلها في وقت صعب وجو مكهرب لا يبعث على الفرح إطلاقا. لكن، حتى في هذه الظروف، تظل مثل هذه المبادرات نورا في عتمة الطريق، تذكرنا بأننا لسنا وحدنا في مواجهة هذه الأزمات.
للأسف، لم يعد يُذكر اسم الصحافة إلا واقترن بالمحاكمات، والغرامات، والصراعات، والقانون الجنائي، وأزمة القراءة، وصعوبة المقاولة، وانخفاض منسوب الحرية، ومعه منسوب المصداقية والمهنية. كل هذه التوصيفات تعكس الأزمة المركبة التي يعيشها بيت الصحافة المغربية كما لم يعشها من قبل.
لا أريد أن أحول حفل تكريم وجوه من مهنة المتاعب إلى حائط مبكى وبيت عزاء، لكن هذه هي تقاليد المهنة. دائمًا ما نتحدث نحن الصحافيات والصحافيون عن القطارات التي لا تحضر في موعدها، ولا نتحدث عن القطارات التي تدخل إلى المحطة في وقتها. وقطار الصحافة في مغرب اليوم ليس فقط متأخرًا عن موعده بساعات وأيام وأسابيع وشهور، بل إنه قطار متوقف تمامًا، وربما خارج السكة. يحتاج إلى خطة إنقاذ مستعجلة لإعادته إلى الطريق السوي. لكنني أؤمن بأن الأزمة، مهما اشتدت، ستحمل في طياتها فرصة لإعادة التفكير وصياغة مشروع جديد يعيد لهذا القطاع قوته ودوره.
لا يوجد قطاع في المغرب معطوب كما هو قطاع الإعلام الآن؛ قطاع لا يعرف أي قانون يؤطر عمل أصحابه: هل هو قانون الصحافة والنشر أم القانون الجنائي؟ ولا يوجد قطاع أكثر من قطاع الصحافة تنشب فيه كل هذه الحروب الأهلية بين زملاء المهنة الواحدة، حيث السب والقذف والحملات المضادة على أشدها بين حاملي البطاقات الصحفية والبنادق التشهيرية.
ثم، ثالثا، لا يوجد قطاع يعيش منذ ثلاث سنوات على إعانات الدعم العمومي وكأنه قطاع معدم غير منتج، دون الوصول إلى نموذج اقتصادي ناجح يسمح للمقاولة الصحفية بالعيش الكريم والاستقلال المهني المطلوب في كل مؤسسة إعلامية تحترم ذاتها. زد على كل هذا الطين الذي نعيش فيه بلة الفوضى غير الخلاقة التي يغرق فيها قطاع الصحافة والنشر، الذي أصبح قطاعا بلا حارس ولا أبواب ولا تقاليد. حيث صار كل صاحب ميكروفون صحافيا، وكل “شناق” إعلاميا، وكل مخبول يتوارى خلف شاشة ليفتي في كل شيء، تحت أنظار مجلس وطني للصحافة وجد للتصدي لأعطاب المشهد الصحافي، فاستحال هو نفسه عطبا من أعطاب القطاع بدل أن يكون جزءا من الحل. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
سأتوقف هنا عن الرثاء، بشكر الداعين إلى هذا الاحتفال والمبادرين إلى هذا التكريم. وأملي أن يعثر الجسم الصحافي على مخرج قريب من هذا النفق. فأنا من اللواتي يؤمن بمقولة: “على الإنسان أن يتشاءم بطريقة متفائلة”. هذا هو الطريق إلى الأمل الحقيقي، وليس الأمل المزيف.
ورغم كل شيء، لا يزال لدينا زملاء وزميلات يقدمون نموذجا مشرقا ومشرفا، ويعملون بصمت في ظل كل هذه الصعاب، يؤمنون برسالتهم ويحاولون ممارستها بمهنية واستقلالية، وهم مثال حي على أن التغيير ممكن.
البلاد بحاجة إلى صحافة قوية، مهنية، ومستقلة، تمثل دور السلطة الرابعة التي تراقب باقي السلط، وتنبه في زمن الغفلة، وترفع صوتها بالحقيقة في زمن الزيف والخوف والرقابة الذاتية. هذه ليست مهمة سهلة، لكنها ممكنة إذا اجتمعنا كجسم واحد حول قيم مشتركة، وإذا أعطينا الأولوية لبناء نموذج إعلامي يحترم ذاته وجمهوره.
في النهاية، أكرر شكري وامتناني لكل من ساهم في هذا التكريم، وعلى رأسهم الزميل ياسين الحسناوي، ومن خلاله لكل من حضر هذا الحفل.
وجودكم هنا يبرهن على أن الصحافة، ورغم كل التحديات والصعاب، ما تزال حيّة متجددة، تستحق منا جهدا متواصلا ونضالا حقيقيا يليق بنبلها، غايته الحفاظ على رسالتها في بناء مجتمع عادل ومتقدم. شكرا لكم جميعا، ولنتطلع معا إلى مزيد من التفاؤل والعمل الدؤوب نحو غد أكثر إشراقا.