بقلم: عمر لبشيريت
السيد الوزير، لن نتحدث عن قطاع الشباب في وزارتكم، فخروج “جيل Z” كافٍ ومعبر عن انسلاخ وزارتكم عن هذا الجيل.
السيد الوزير، ها أنت تلاحظ اليوم أننا نتحرك بدون أذرع إعلامية قوية ومؤثرة، وبلادنا تعيش أزمة اجتماعية وسياسية.
طيلة أسبوع كامل من الاحتجاجات، ظل إعلامنا العمومي يمارس الإنكار، خارج التغطية، متواطئًا بالصمت. لم نواكب احتجاجات شبابنا المشروعة، ولم نفلح في نقلها إلى الرأي العام وتمكينه من حقه في الاطلاع والإخبار، ولا استطعنا أن نكون مصدرًا موثوقًا وذا مصداقية في الخارج لما يقع في بلادنا.
ها أنت تلاحظ، السيد الوزير، أنك عندما قررت أخيرًا مخاطبة الرأي العام ومخاطبة الشباب، بعد أن استفحلت الأوضاع، فعلت ذلك من منصة شاب صحافي بودكاستر يتمتع بالمصداقية، وليس من بوابة الإعلام العمومي، ولا من بوابة أصدقائك الذين تبشرهم بمزيد من التحكم في الإعلام. فعلت ذلك لسبب بسيط جدًا لا يخفى على أحد: أدركت متأخرًا أنه لا مصداقية ولا ثقة في إعلامنا العمومي الذي تشرف عليه، ولا في إعلام أصدقائك الذين تعدهم بمزيد من التغوّل.
ألم تلاحظ، السيد الوزير، أنه عندما تطورت الأوضاع وتأزمت، استفاق إعلامنا العمومي وفتح باب النقاش العمومي الذي أُقفل منذ عقود، وبدا وكأنه يرتكب جنحة “انتحال صفة إعلام مفتوح” مواكبٍ لما يقع في المجتمع.
لا شك أنك لاحظت، السيد الوزير، أنه عندما يُقفل مرفق الإعلام العمومي، ويستغرق في التنويم والاستعراض والإنكار، وعندما يُسقط المشهد الإعلامي الخاص في الحضيض بتشجيع الابتذال و”التزلاّج” ودعم التغوّل، تكون الضحية الأولى هي مؤسسات البلد ومعها المجتمع.
مؤسسات البلد، لأنها تصبح بلا دعم ولا إسناد، ولا يثق أحد في خطابها، ولا صوت مسموعًا لها داخليًا ولا خارجيًا. والمجتمع، لأنه لا يثق ولا يقرأ جرائدنا، وأكثر من ذلك، محروم من حقه في الوصول إلى المعلومة.
أدري أنك وقفت، ربما، على المعضلة الحقيقية متأخرًا، وأننا أنتجنا آلة ضخمة من الدعاية والتنويم، لا تنفع ولا تنقذ ولا يُعوَّل عليها. فما العمل؟
لعلك، السيد الوزير، استمعت إلى الشعار المركزي الذي يؤطر احتجاجات “جيل Z”: إسقاط الفساد. أنت معني بهذا الشعار لسببين: كونك تشرف على قطاع الشباب، وفي الوقت نفسه تشرف على قطاع الإعلام.
السيد الوزير، أنت على اطلاع، وتعرف جيدًا أن منطق الاحتواء (la récupération) جُرّب خلال حركة 20 فبراير، حين فُتح الإعلام العمومي أمام الشباب، واكتشف المغاربة خطابًا جديدًا وأصواتًا جديدة، وشاهدوا مطالبهم تُناقش في التلفزة وعلى الأثير. ماذا وقع بعد ذلك؟
تم إقفال القوس بسرعة، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة، وفهم المغاربة أن ما عاشوه خلال حراك 20 فبراير كان مجرد “كاميرا خفية”. كانت عملية احتواء لا غير، ولم نعمل سوى على إخماد الحريق سطحيًا، وظلت جمرة الاحتقان تتصاعد دون أن تجد متنفسًا أو أبوابًا للتعبير.
عليك، السيد الوزير، ألا تلعب هذه اللعبة مجددًا. أنت تلعبها حاليًا للأسف. أنت الآن en mode de récupération. عليك إسقاط الفساد. لا يُلْدَغُ المؤمِنُ من جُحْرٍ مَرَّتيْنِ
لا يعقل، السيد الوزير، أن ينام المدير العام للقطب العمومي أزيد من عشرين سنة على كرسي المرفق الإعلامي العمومي، إن مدة ولايته تفوق سن جيل Z. لا يوجد هذا في أي بلد في العالم.
لعلكم، السيد الوزير، تتابعون القنوات الفرنسية، ولا شك في ذلك. ولعلكم تستمتعون بالنشرات الإخبارية والبرامج الحوارية، وبطبيعة ومستوى النقاش وطبيعة الضيوف في البلاتوهات والإذاعات. ألا نستحق الشيء نفسه؟ ألا تحلم بالمستوى نفسه وبالعمل المهني نفسه في قنواتنا؟ ألا تحلم، مثلنا، بأن تستمتع بالبرامج والتغطيات والنقاشات نفسها؟
إن المرفق الإعلامي العمومي، الذي يُموَّل من جيوب دافعي الضرائب، أصبح آلةً للدعاية وتوزيع الريع. هل يعقل، السيد الوزير، أن يقوم المرفق العمومي، الممول من دافعي الضرائب، بالدعاية وأداء أجور لإذاعة منافسة له في القطاع الخاص؟ ألا تتوفر القناة الثانية على كفاءات لكي تؤدي أجور إذاعة خاصة منافسة لها لتتولى “تنشيط” برامجها؟
سيدي الوزير، أطلق سراح إعلامنا، وأطلق سراح الكفاءات والطاقات الإعلامية التي يتوفر عليها الإعلام العمومي، وهي موجودة وكثيرة.
لا تجعل من “فسحة الخريف” التي انفتحت هذه الأيام، بفضل احتجاجات الشباب، وليس بقرار أو إرادة سياسية، لحظةً عابرة مثل فسحة 20 فبراير.
سيدي الوزير، لا نثق في محاولة الاحتواء هذه، جرّبناها من قبل. لا تخدعنا. نريد إجراءات، نريد محاربة الفساد.
السيد الوزير، لعلك تعلم جيدًا أن كافة جرائدنا تبيع مجتمعة عشرة آلاف نسخة، نصفها يذهب إلى الإدارات العمومية ووكالات الإشهار. كما تعرف الانحدار الذي وصلت إليه صحافتنا من إسفاف ورداءة.
كما تعلم، سيادة الوزير، أننا لا نصنع رأيًا عامًا ولا نؤثر فيه، ولا نستطيع مجابهة الخارج ولا إقناعه. هل يستحق الصحافيون المغاربة هذا المستوى، والبلد مليء بالطاقات؟
ومع ذلك، سيادة الوزير، أبيتَ إلا أن تقود سفينة صحافتنا إلى الغرق أكثر. كيف تسمح لنفسك بإنشاء وزارة إعلام جديدة وتُسلّطها على رقاب الصحافيين والمواطنين؟
إن مشروع القانون الخاص بالمجلس الوطني للصحافة، الذي هيأته على مقاس أصدقائك، هو بمثابة كتابة دولة جديدة في الإعلام.
سيدي الوزير، إن التنظيم الذاتي للصحافيين لا يُفرض من فوق ولا يُنزَّل على مقاس البعض.
لقد وقفت ضد المجتمع، نعم، ضد إجماع تنظيمات وهيئات الصحافيين والناشرين، وهيئات المجتمع المدني، ووزراء الإعلام السابقين، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان… إلخ، وأنزلت مشروع قانون بدون تشاور أو نقاش معهم، ما عدا أصدقاؤك الذين تبشرهم بإحكام قبضتهم على المشهد الإعلامي.
سيادة الوزير، جئت بمشروع قانون ينتصر لأصحاب المال في الإعلام، وتريد خلق أوليغارشية إعلامية، وأقصيت المقاولات الصغرى والصاعدة بدعوى “فقرها” المالي. تريد هيمنة الرأسمال على الصحافة.
سيدي الوزير، لعلك تعرف أن من بين من تريد أن تسلمهم مفاتيح التغوّل في الإعلام، هناك من تلطخت أيديهم بالإسفاف الذي وصل إليه إعلامنا، وأنهم من أباطرة التشهير في المغرب. كيف يحق لك ذلك؟
سيدي الوزير، هل وصلتك نكتة من تريد تنصيبهم على عرش الصحافة؟ إن الشاب الصحافي البودكاستر الذي استضافك سيكون من بين ضحايا “برنامج عملهم”.
في زمن تطور تكنولوجيا الإعلام وDiscord وTwitch و”جيل Z”، يريد المبشرون بـ”جنة الإعلام”، بفضل مشروعك، أن يطاردوا البودكاست والبودكاستر المغاربة وبصرامة. نعم، إنها نكتة، لكنها حقيقة مؤلمة. إنك بصدد إنشاء “وزارة الحقيقة” رفقة أصدقائك. هل قرأت رواية جورج أورويل أو شاهدت فيلم 1984؟ الصحافيون المغاربة لا يريدون أن يصبحوا مثل السيد وينستون سميث (Winston Smith).
السيد الوزير، عليك أن تسحب مشروع القانون الخاص بالمجلس الوطني للصحافة من مجلس المستشارين، وتراجعه بالتشاور مع جميع هيئات وممثلي الصحافيين والناشرين الذين أقصيتهم، وتشرك الجميع في إعادة صياغته.
لهذا، سيدي الوزير، ولكي نثق فيك، عليك تحرير الإعلام العمومي من قبضة الدعاية والإنكار والرداءة والريع. عليك بإسقاط الفساد. وعليك بتحرير المشهد الصحافي من قبضة الابتذال والسفاهة والمراقبة والتحكم والتوجيه. عليك بإسقاط الفساد.
إلى ذلك الحين، ننتظر منكم إجراءات عملية، وليس استعراضات الاحتواء والركوب على الاحتجاجات التي تقوم بها حاليًا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.