عرفت سوريا في الآونة الأخيرة نقلة تاريخية هامة بعد سقوط نظام بشار الأسد، كرمز للنظام الديكتاتوري، الذي حكم البلاد لعقود طويلة، هذه الأحداث التي شكلت تحولا كبيرا في تاريخ المنطقة، جاءت بعد سنوات من صراع مسلح بدأ بعد قيام الثورة السورية عام 2011.
وتناولت صحف عالمية في تغطيتها للحدث ما اعتبرته نهاية لعهد طويل من الصراع الدموي والمعاناة التي شهدتها البلاد.
وبدأت التوقعات تتضارب بين المتفائلين بإمكانية استقرار الوضع وتحقيق السلام وبين المتشائمين الذين يرون أن هذا السقوط قد يعمق الانقسامات ويولد نزاعات جديدة.
وكان من الواضح أن سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، مع جملة من التحديات السياسية والاقتصادية التي قد تؤثر بشكل كبير على مستقبلها.
وبحسب هذه الصحف، فإن التغيير الذي طال البلاد لن يمر بسهولة، وسط تحديات سياسية وأمنية كبرى.
وفي تقرير نشرته صحيفة “The Independent” البريطانية، فإن السوريين وعلى الرغم من احتفالاتهم بسقوط الأسد، يواجهون مستقبلا غامضا، حيث تمزقت البلاد بسبب ما سمتها “حربا أهلية” استمرت أكثر من 13 سنة.
ومن جهتها أوضحت صحيفة “الشرق الأوسط” أن سوريا اليوم بحاجة إلى إعادة هيكلة جيشها بشكل يعيد الاستقرار للبلاد، معتبرة أنه العامل الأبرز في تحقيق الاستقرار، ومشيرة إلى ضرورة الحفاظ عليه في حالته الحالية وإعادة هيكلته بما يتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة.
وكشفت أن هناك توافقا على أن الحل لا يكمن في حل الجيش السوري، بل في إيجاد طريقة لإعادة تنظيمه لخدمة مصالح الشعب السوري.
وبحسب ما أوردته وسائل إعلام أمريكية، يتوقع أن تشهد البلاد تحولا كبيرا في الموازين السياسية، حيث تتزايد الضغوط على الفصائل المتناحرة داخل سوريا.
وقد أكدت التقارير أن الوضع الأمني في بعض المناطق ما يزال هشا، ويشمل ذلك مناطق شمال سوريا والجنوب، التي لا تزال تحت سيطرة مجموعات مسلحة. مضيفة أن بعض هذه الجماعات المسلحة قد تحاول استغلال هذه الفوضى لتحقيق مكاسب على الأرض السورية.
وفي الوقت نفسه، أفادت وسائل إعلام فرنسية بأن هناك تخوفا كبيرا من تجدد النزاعات بين القوى الدولية التي كانت داعمة للأطراف المختلفة خلال سنوات الحرب، مثل روسيا والولايات المتحدة. وقالت المصادر إن هذا الصراع الدولي قد يساهم في تعقيد الأمور أكثر، مما يثير القلق بشأن استقرار سوريا في المستقبل القريب.
وفي سياق أخر، أعرب المسؤولون الأمريكيون عن أملهم في أن يشهد السوريون انتقالا سلميا للسلطة، وهو ما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ “لحظة تاريخية” للسوريين الذين عانوا سنوات طويلة من النزاع.
ومع ذلك، أضاف بايدن أن هذه اللحظة “محفوفة بالمخاطر وعدم اليقين”، كما أن “السرعة المدهشة” لانهيار النظام، والتوثيق الحي لهذا الانهيار عبر وسائل الإعلام، كان سببا في حالة من الأرق والقلق التي أصابت ملايين الأشخاص في أنحاء مختلفة من العالم، الذين تابعوا الأحداث بشغف عبر وسائل التواصل.
وفي سياق متصل، أوضحت التقارير السياسية أن التوجهات المستقبلية لسوريا ستعتمد بشكل كبير على كيفية تشكيل الحكومة الانتقالية التي ستشرف على إعادة إعمار البلاد.
وقد صرح العديد من الخبراء الدوليين بأن المجتمع الدولي سيلعب دورا مهما في دعم هذه العملية، لكن التحدي الأكبر يبقى في توفير بيئة مستقرة تساهم في جذب الاستثمارات وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
كما ذكرت التقارير أن هنالك قلقا كبيرا في الأوساط السياسية من أن تكون عملية تشكيل حكومة انتقالية جديدة مليئة بالصعوبات، في ظل استمرار الانقسامات العميقة بين القوى السياسية داخل البلاد.
وأفادت مصادر دبلوماسية أن العديد من الدول العربية والغربية قد تحاول أن تفرض رؤاها السياسية على هذه العملية، مما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات. بالإضافة إلى أن هناك انقساما كبيرا في الرؤى حول كيفية التعامل مع الوضع الحالي، حيث يرى بعض المحللين أن هناك حاجة ملحة لتعزيز الوحدة الوطنية بين كافة الطوائف السورية، بينما يصر آخرون على ضرورة إرساء دعائم دولة ذات سيادة قائمة على الاستقلال الوطني.
وبين هذا وذاك، تشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن سقوط الأسد قد يفتح الباب أمام أزمة جديدة في المنطقة، خاصة في ظل التأثيرات المباشرة على الأوضاع في الجولان السوري المحتل. حيث أعرب الإسرائيليون عن ترحيبهم بسقوط نظام الأسد، الذي كان يعد حليفا أساسيا لإيران وجماعة حزب الله اللبنانية، لكنهم أبدوا قلقهم بشأن ما قد يحدث بعد ذلك.
وأكدت إسرائيل أن قواتها سيطرت مؤقتا على منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، وفقا لاتفاق عام 1974، بعد انسحاب القوات السورية وسط حالة الفوضى.
وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، للصحفيين يوم الاثنين قائلا: “هدفنا الوحيد هو ضمان أمن إسرائيل ومواطنيها. لهذا السبب استهدفنا أنظمة أسلحة استراتيجية، مثل الأسلحة الكيماوية المتبقية أو الصواريخ بعيدة المدى، لمنع وقوعها في أيدي المتطرفين”.
من جهته، أفاد صحفي من وكالة “Associated Press” في دمشق بوقوع غارات جوية يوم الأحد استهدفت منطقة مطار المزة العسكري، الواقع جنوب غربي العاصمة، والذي تعرض سابقا لغارات إسرائيلية، كما سمعت انفجارات أخرى في العاصمة يوم الاثنين.
ويذكر أن إسرائيل نفذت مئات الغارات الجوية في سوريا خلال السنوات الماضية، مستهدفة ما تصفه بمواقع عسكرية مرتبطة بإيران وحزب الله، بينما يفضل المسؤولون الإسرائيليون عدم التعليق على كل غارة على حدة.
أما بخصوص الشعب السوري، فكشفت بعض التقارير من داخل سوريا عن انقسام واسع بين المواطنين حول الآمال في المستقبل؛ بعضهم يعتقد أن هذه فرصة لإصلاح الأوضاع وإعادة بناء البلد من جديد، في حين أن آخرين لا يزالون متخوفين من أن تحل فترة من الفوضى وغياب القانون.
وقالت مصادر محلية إن السلطات المؤقتة بدأت في فرض بعض الإجراءات الأمنية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، مما أثار جدلا حول نوعية هذه الإجراءات وفاعليتها في الحفاظ على الأمن.
وأبرزت بعض الصحف المحلية أنه رغم أن السلطة المؤقتة تسعى لتكريس استقرار جزئي في هذه المناطق، إلا أن هناك من يعتقد أن هذه الإجراءات لا تكفي لتحقيق استقرار طويل الأمد، وأن هناك حاجة ملحة لإجراء إصلاحات سياسية جذرية.
وبخصوص الوضع الاقتصادي، أقرت وسائل الإعلام الاقتصادية أن الاقتصاد السوري يعاني من دمار كبير بسبب سنوات الحرب، ومن المتوقع أن تحتاج البلاد إلى مساعدة كبيرة من قبل الدول المانحة والمنظمات الدولية لإعادة بناء بنيتها التحتية والاقتصاد الوطني.
بينما أكدت تقارير الأمم المتحدة أن الاقتصاد السوري قد يحتاج إلى عقد من الزمن على الأقل للتعافي من الآثار الكارثية للحرب.
وتحدثت بعض الصحف عن تحديات كبيرة تواجه إعادة الإعمار، خاصة في ظل العجز الكبير في الموارد، حيث أن سوريا تحتاج إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. مشيرة إلى أن العجز المالي يمثل عقبة رئيسة أمام أي محاولات للإصلاح، وأن العديد من الشركات الدولية قد تتردد في الدخول إلى السوق السورية بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية.
وأقرت التقارير أن أزمة اللاجئين السوريين ستستمر في التأثير على الدول المجاورة، وهو ما يتطلب تحركات من قبل المجتمع الدولي لتوفير الدعم اللازم.
وقالت الصحف إن العديد من اللاجئين الذين غادروا سوريا في السنوات الماضية ما يزالون يعيشون في ظروف صعبة في دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا، مما يزيد من الضغوط على هذه البلدان، كما أن العودة الجماعية للاجئين قد تكون عملية صعبة ومعقدة، خاصة في ظل الوضع الأمني المتقلب في بعض المناطق السورية.
وقالت مصادر إن هناك حاجة ماسة إلى خطط دولية منسقة لتوفير الدعم الإنساني اللازم للاجئين وتشجيعهم على العودة الآمنة إلى ديارهم.
وأفادت مصادر عدة أن هناك تحركات دبلوماسية قائمة في محاولات لإنهاء هذه التوترات وفتح قنوات للحوار بين الدول المعنية.
وقالت المصاجر إن تركيا قد تحاول توسيع نفوذها في شمال سوريا، خاصة في المناطق التي كانت تحت سيطرة المجموعات الكردية، في حين أن إيران قد تسعى لتعزيز وجودها في المناطق التي كانت تسيطر عليها القوات الحكومية السورية، ما يثير القلق من نشوء صراعات إقليمية جديدة قد تعرقل استقرار المنطقة لسنوات.
وفي الختام، أكدت التقارير الإعلامية أن سوريا قد تكون أمام مرحلة صعبة لكنها تحمل أيضا فرصا كبيرة لإعادة البناء. التحديات كبيرة، لكن الأمل في المستقبل لا يزال قائماـ مع عمل العديد من الأطراف الدولية والمحلية على صياغة حلول قد تساهم في استقرار البلاد، مع ضرورة التركيز على تحقيق الأمن الاجتماعي والسياسي، الذي يعد الأساس لإعادة إعمار سوريا بشكل فعال.