عندما كنت أطوف على وجوه نساء خرجن منتصرات من معركة العلاج ضد السرطان، أثناء مشاهدة حلقات برنامج “قصص وردية” على قناة سفيركم، شهر أكتوبر الماضي، تساءلت: ما عساني أقول أو أضيف أو أفعل لنسوة أظهرن كل هذه الشجاعة في مواجهة العاصفة؟ بدا لي أن عزيمتهن كانت كافية لتلهمنا جميعا، ومن هنا بدأ الحلم.
اتصلت بمجموعة من المحسنين وطرحت فكرة التبرع بعمرة لسيدة كانت الأكبر سنا والأكثر احتياجا لمثل هذه المبادرات. كنت أسعى لقطرة أمل أقدمها، لكن رب العالمين جاد بغيث عميم. لم يتوقف الخير عند متبرع واحد، بل وجدنا ثلاثة رجال من طينة خاصة، أحدهم مهاجر مغربي. هؤلاء المحسنون تطوعوا لتغطية مصاريف ثلاث عمرات، وكان مطلبهم الوحيد: “رجاء لا نريد أن تعرف أسماؤنا ولا صفاتنا، فالإحسان أن تعطى الهدية في السر، وإن شرط القبول هو البيع والشراء مع الله.” وما أعظمها من تجارة!
لحظة زف الخبر للمستفيدات في حفل تكريمهن أمس كانت مؤثرة بشكل لا يقل عن رحلة البحث عن المتبرعين. وما زاد من سحر اللحظة أن الحضور تطوعوا بعمرتين إضافيتين، ليصل عدد النساء المستفيدات إلى خمس، وهو ما عجز لساني عن وصفه.
الصور التي التقطت خلال هذه المناسبة، والتي ترافق هذا المقال، تختصر ألف كلمة. بل إنها تعادل فرح العائد من بعيد والمتوجه إلى حيث يسعد كل مؤمن ويرتاح بجوار الأماكن المقدسة. إنها شهادة على الإنسانية التي تجلت في أبهى صورها.
أتذكر في هذا السياق قصة الجنرال شارل دوغول، حين انتصر جيش التحرير الفرنسي بقيادته في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. أقيمت آنذاك سلسلة من المحاكمات لرموز الخيانة الوطنية، وصدرت أحكام بالإعدام على كثيرين، بمن فيهم نساء. في الليلة التي سبقت تنفيذ الأحكام، كان دوغول قلقا، يذرع حديقة البيت جيئة وذهابا، يفكر في مصير النسوة اللواتي شملهن حكم إنهاء الحياة. ثم أخبر زوجته بقراره العفو عن النساء دون الرجال، قائلا: “المرأة هي التي تعطي الحياة، ولا أستطيع أن أعدم امرأة اختارها الله لتمنح الحياة لآخرين. سأوقع قرار العفو عن النساء قبل أن أنام. سأنتقد كثيرا ولكنني أتحمل كل ذلك من أجل المرأة.”
ما يهمني في هذه القصة ليس أبعادها التاريخية أو السياسية فقط، بل تلك العبارة البليغة: “المرأة هي التي تعطي الحياة.” كم أتمنى لو تصل هذه العبارة إلى مسامع المسؤولين، فتحرك فيهم شعورا نحو نساء حرمن من أبسط الحقوق: من رحمة الحياة، ومن رحمة السياسة، ومن رحمة الصحة، ومن رحمة التعليم، ومن رحمة الكفاف والعفاف والغنى عن الناس. فهي الأم، والزوجة، والابنة، والأخت، والصديقة أيا رجال الوطن.
أكتوبر الوردي هذا العام سيبقى محفورا في ذاكرتي وقلبي ما حييت. شعارنا في “سفيركم” إذا لم نستطع محو الظلام، فعلى الأقل لنشعل شمعة، شمعة أمل، دعاء، ورجاء.