أرجع دفاع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب، الاثنين الماضي، عن فوز الشركة التي يمتلكها بصفقة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء-سطات، نقاش “تضارب المصالح” إلى طاولة النقاش العمومي السياسي بالمغرب.
وكانت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة الزهراء التامني قد تقدمت في وقت سابق بتاريخ 20 نونبر 2023، بسؤال كتابي إلى رئيس الحكومة، تستفسر فيه عن ورود اسم عزيز أخنوش من خلال فوز شركتي “أفريقيا غاز” و”غرين أوف أفريكا”، اللتين ليس لديهما خبرة واسعة في مجال تحلية المياه، بالصفقة الضخمة لبناء وصيانة وإدارة محطة تحلية بمدينة الدار البيضاء.
وتساءلت التامني في سؤالها: “كيف لرئيس الحكومة أن يتعاقد بشكل ضمني مع وزارة التجهيز والنقل والماء ليكون المستفيد المباشر بعد أن انسحبت باقي الشركات من التنافس على الصفقة وفقاً لتقارير إعلامية وطنية ودولية؟”، مضيفة: “ألا يتعلق الأمر بتضارب واضح للمصالح باعتبار الفائز بالصفقة هو المسؤول الأول بالحكومة المغربية؟”
وأفادت ممثلة فيدرالية اليسار بمجلس النواب، في تصريح خاص لمنبر “سفيركم”، أنها كانت قد كشفت عن تفاصيل الصفقة قبل سنة، ليتم تجديد طرحها من خلال جواب رئيس الحكومة الذي أكد علاقته بالصفقة.
وبخصوص خطواتها المقبلة لتسليط المزيد من الأضواء على الملف المثار، أكدت التامني أن إثارة إشكالية “تضارب المصالح” ليس بمعزل عن توجهات حزب فيدرالية اليسار، بل يدخل بشكل عام في برنامج أنشطته ومعاركه النضالية الرافضة لجميع صور “الفساد” واستغلال “المسؤوليات السياسية” لقضاء المآرب الشخصية، مردفة بأن الحزب قد يخرج، بعد عقد “اجتماع مطول لمكتبه السياسي”، بجملة من التحركات التي يمكن القيام بها في هذا الباب.
من جهته، أوضح رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، في تدوينة له على منصة “فيسبوك”، بأن “فوز مجموعة اقتصادية تابعة لرئيس الحكومة بصفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء يفرض على النخبة السياسية وكافة المهتمين فتح نقاش عمومي مسؤول حول إشكالية تنازع المصالح باستغلال مواقع الامتياز والمسؤولية العمومية”، داعيا إلى طرح كافة الأسئلة المرتبطة بأهمية تخليق الحياة العامة وتعزيز حكم القانون.
وتابع الغلوسي بأن “فوز عزيز أخنوش بهذه الصفقة يطرح نقاشاً دستوريا وسياسيا وأخلاقيا منطلقه الفصل 36 من الدستور ومقتضيات الفصل 245 من القانون الجنائي، فضلاً عن ميثاق الأخلاقيات الذي دعا الملك البرلمان إلى سنه”.
وتعليقاً على مضامين الفصل 36 من الدستور الذي يقضي في الجزء الأول منه بأن “القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي”، قال مصطفى المنوزي، رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن، إن صيغة الفصل جاءت توافقية بعد أن تم حذف “المقتضيات” التي كانت تؤكد صراحة على المنع الكلي للجمع بين المسؤولية العمومية والتجارة أو العضوية في مجلس إدارة شركة معينة.
وأرجع المنوزي في تصريح خاص لمنبر “سفيركم” حذف هذه النسخة من مسودة الدستور إلى الضغط الذي مارسه “اللوبي الاقتصادي والمالي”، موضحاً أن أغلب الأحزاب التي تفوز بالأغلبية هي الأحزاب الممثلة برجال الأعمال والمقربين من الطبقة الرأسمالية والتي لها علاقة بتسيير البلد، مما جعل المادة تأتي في صورة “ملطفة” تكتسي طابعاً وقائياً بدل “المنع المطلق” بطابع التجريم والزجر، حسب تعبير المتحدث ذاته.
ودعا رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن إلى “تنزيل الفصل 36 وتفعيله على مستوى المنظومة الجنائية في انتظار دخوله نطاق التجريم مباشرة”، مورداً أن من يحكم لا يجب أن يمارس التجارة، نظراً لحضور المصلحة الخاصة.
كما طالب بتحديد على المستوى المسطري إذا كانت هناك إمكانية رفع شكايات في موضوع “تضارب المصالح” من طرف الجميع، وتوضيح كيفية تحديد “المتضرر”؛ “صاحب الصفة”، خاصة بعد تصريح وزير العدل بمنع الجمعيات، وإن كانت تحمل صفة المصلحة العامة، من تقديم “شكايات مرتبطة بتبديد الأموال العمومية والتجاوزات على مستوى تسيير المؤسسات المنتخبة”، إلا إذا كان الأمر باقتراح من المجلس الأعلى للحسابات أو أي مؤسسة أخرى.
وخلص المنوزي إلى أنه من الصعب اليوم في ظل انعدام تجديد النخب والهشاشة على مستوى المشهد الحزبي أن نجد أطرًا يمكن أن تسير بدون أن تكون حزبية، وفي نفس الوقت “تكنوقراطية” أو تمارس “التجارة” و”الاقتصاد”.
وفي ذات السياق طالبت قيادات حزبية، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بتقديم استقالته، عقب ندوة صحفية نظمها “البيجيدي” يوم أمس الخميس بالمقر المركزي للحزب، لكشف تفاصيل الصفقة المثيرة للجدل، التي عنوانها “تضارب المصالح” واستغلال الموقع السياسي للحصول على منافع شخصية، حسب ماصرحت به القيادات نفسها ويتعلق الأمر بالأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ورئيس مجلسه الوطني ورئيس مجموعته النيابية.
وكان قد جرى إسناد صفقة بناء وتشغيل محطة تحلية مياه البحر المستقبلية بالدار البيضاء، التي تناهز قيمتها 15 مليار درهم (1.5 مليار دولار)، في شهر نونبر من سنة 2023، إلى تحالف يضم “أفريقيا غاز” (مملوكة لأخنوش)، “أكسيونا”، و”غرين أوف أفريكا”.
وتعتبر المحطة المذكورة من بين أكبر محطات تحلية مياه البحر على مستوى أفريقيا، بقدرة إنتاجية سنوية تبلغ 300 مليون متر مكعب، وستمكن من تزويد مدن الدار البيضاء، وسطات، وبرشيد، وباقي المناطق المجاورة (البير الجديد، وحد السوالم)، بالماء الصالح للشرب.
وشدد أخنوش في كلمته بمجلس النواب على أنه لا يمكن إقصاء أي مجموعة أو شركة من الاستثمار، لأن “الكل له الحق في المشاركة بالاستثمارات في البلاد”، منتقداً ما اعتبره “خطاب الكذب”، في إشارة إلى انتقادات المعارضة بخصوص ما اعتبرته “تضارب المصالح” بخصوص الصفقة.