قالت إيران إنّ الولايات المتحدة تريد اتفاقا نوويا “بأقرب وقت ممكن”، بعد مباحثات نادرة السبت في عُمان، فيما يهدد الرئيس الأميركي بعمل عسكري في حال باءت بالفشل جهود التوصل إلى صفقة جديدة.
قاد الجانب الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، وهو دبلوماسي متمرس وأحد مهندسي الاتفاق النووي الإيراني في 2015، فيما قاد مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستيف ويتكوف، وهو قطب عقارات، الوفد الأميركي. وقد التقى الرجلان وجها لوجه لوقت وجيز.
وقال عراقجي للتلفزيون الرسمي الإيراني إن الجانب الأميركي أشار إلى أن يرغب بالتوصل إلى اتفاق “في أقرب وقت ممكن، لكن ذلك لن يكون سهلا وسيتطلب استعدادا من الجانبين”.
وتابع “في الاجتماع (اليوم) أعتقد أننا قاربنا بشكل كبير أسس المفاوضات… لا نريد نحن ولا الطرف الآخر مفاوضات عقيمة، ومناقشات من أجل المناقشات، وإضاعة للوقت ومفاوضات تستمر إلى ما لا نهاية”، مضيفا أن اجتماعا جديدا سيعقد “السبت المقبل” بهدف التوصل إلى اتفاق “بأسرع وقت ممكن”.
ووصف البيت الأبيض المحادثات بأنها “خطوة للأمام”.
وقالت الرئاسة الأميركية في بيان “كان التواصل المباشر مع المبعوث الخاص (ستيف) ويتكوف اليوم خطوة للأمام في تحقيق نتيجة مفيدة للطرفين”، مضيفة أن الجانبين اتفقا على “الاجتماع مجددا السبت المقبل”.
وأفادت إيران بأنّ وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي توسط في المحادثات رفيعة المستوى في مسقط.
وكان الأميركيون دعوا إلى أن تكون الاجتماعات مباشرة وجها لوجه.
ورغم ذلك، ذكرت وزارة الخارجية الإيرانية أن المفاوضين تحدثوا أيضا بشكل مباشر “لبضع دقائق”. وأضافت أن المحادثات عُقدت “في أجواء بنّاءة يسودها الاحترام المتبادل”.
وقال وزير الخارجية العماني إن المناقشات جرت في “جو ودي” مشيرا إلى أن الهدف منها يكمن في إبرام “اتفاق عادل وملزم”.
وأضاف “سنواصل العمل سويا”.
هذه المحادثات هي الأعلى مستوى بهذا الشأن منذ انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى في 2018 من الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني المبرم العام 2015 بين إيران والقوى الكبرى مقابل رفع العقوبات عنها.
وقبيل بدء المحادثات، قال عراقجي بحسب مقطع فيديو نشره التلفزيون الرسمي إنّ بلاده تسعى لاتفاق “عادل ومشرف”.
وصرح أنّ “نيتنا هي التوصل إلى اتفاق عادل ومشرف على أساس المساواة. وإذا تبنى الطرف الآخر أيضا الموقف نفسه”.
بدوره، كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية اسماعيل بقائي على منصة اكس إنّ الطرفين كانا في “صالات منفصلة” وكانا “يرسلان وجهات نظرهما لبعضهما البعض عبر وزير الخارجية العماني”.
وتسعى إيران التي أضعفت حربان خاضتهما إسرائيل في قطاع غزة ولبنان حليفين رئيسيين لها هما حركة حماس وحزب الله، إلى تخفيف وطأة العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات طويلة والتي تخنق اقتصادها.
ووافقت طهران على هذا الاجتماع رغم معارضتها لسياسة “الضغوط القصوى” التي تنتهجها إدارة ترامب حيالها والتهديدات العسكرية المتكررة.
في المقابل تسعى الولايات المتحدة ومعها حليفتها إسرائيل عدوة طهران اللدودة، إلى الحؤول دون اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي.
– ويتكوف منفتح على “تسوية” –
ولم تلحظ اي تدابير أمنية إضافية حول فندق البستان الفخم الذي استضاف المباحثات، بحسب صحافيّين في فرانس برس.
كما بدت العاصمة العمانية هادئة وبدون تدابير أمنية مشددة أو رفع أعلام أميركية أو إيرانية في الأماكن العامة.
وقال ويتكوف لصحيفة وول ستريت جورنال “موقفنا اليوم” ينطلق بمطالبة إيران بتفكيك برنامجها النووي بالكامل وهو موقف يتمسك به المتشددون في أوساط ترامب لكن لا يتوقع كثيرون أن تقبل به إيران.
وأضاف “هذا لا يعني أننا على هامش ذلك لن نجد طرقا أخرى للتوصل إلى تسوية بين البلدين” مؤكدا أن “الخط الأحمر بالنسبة لنا هو عدم إضفاء الطابع العسكري على القدرة النووية” الإيرانية.
وأعلن ترامب عن المحادثات بشكل مفاجئ قبل أيام قليلة خلال حديث أمام صحافيين في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وقال ترامب الجمعة لصحافيين في طائرة الرئاسة الأميركية “اير فورس وان” قبل ساعات من بدء المحادثات “أريد أن تكون إيران دولة رائعة وعظيمة وسعيدة. لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي”.
وأكد علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الجمعة، أن إيران تبحث عن اتفاق “واقعي وعادل” مع الولايات المتحدة مضيفا أن “اقتراحات مهمة وقابلة للتطبيق باتت جاهزة”.
وتأتي المحادثات بين الجانبين اللذين لا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ عقود، عقب تهديدات متكررة بشن عمل عسكري من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل على الجمهورية الإسلامية.
وقال ترامب الأربعاء، ردا على سؤال عما سيحدث إذا فشلت المحادثات في التوصل إلى اتفاق، “إذا تطلب الأمر تدخلا عسكريا، فسيكون هناك تدخل عسكري”.
وردا على تهديد ترامب، قالت إيران إنها قد تطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما حذرت الولايات المتحدة من أنه سيكون “تصعيدا”
– دعم الحلفاء الاقليميين –
وكان اتفاق 2015 الذي انسحبت منه واشنطن بعد ثلاث سنوات يهدف إلى الحؤول دون امتلاك إيران السلاح الذري.
وكانت المملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا الأطراف الأخرى في الاتفاق الذي كان عراقجي أحد مهندسيه.
وتؤكد طهران أن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية فقط.
بعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق، تراجعت إيران عن التزاماتها تدريجا. ومطلع كانون الأول/ديسمبر، أعلنت أنها بدأت تغذية أجهزة طرد مركزي جديدة في موقع فوردو “ما من شأنه على المدى الطويل إحداث زيادة كبيرة في معدل إنتاج اليورانيوم المخصب عند مستوى 60%”، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الأخير أن إيران تمتلك 274,8 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 %، معربة عن “قلق عميق”.
ببلوغها عتبة تخصيب عند مستوى 60%، تقترب إيران من نسبة 90% اللازمة لصنع سلاح نووي.
وقال كريم بيطار المحاضر بدراسات الشرق الأوسط في كلية العلوم السياسية في باريس، أن “الأولوية الوحيدة لإيران هي استمرارية النظام، واحتمال الحصول على بعض الأكسجين، بتخفيف بعض العقوبات، لاستعادة زخمها الاقتصادي مرة أخرى، لأن شعبية النظام تراجعت بشكل كبير”.
ورأى رئيس جمعية الصحافيين العمانية محمد العريمي أنّ المفاوضات قد تستمر “شهورا” وقد تشمل “ربما ملفات عالقة كملفات الصواريخ الايرانية التي طورتها خلال السنوات الماضية (..) وأمن الممرات المائية”.
وأضاف “انا شخصيا لا اعتقد ان اجتماعات اليوم في مسقط سوف تحل كل هذه الملفات. هذه الملفات تحتاج إلى فرق فنية”.
المصدر: أ ف ب