عمر لبشيريت (موريال – كندا)
كيف يشتغل نظام التدريس بالمعهد المولوي، حيث يدرس الأمراء والأميرات الى حين حصولهم على الباكالوريا؟ من يدرس الى جانب الأمراء والأميرات؟ وكيف يتعامل الأستاذة؟ وما هو الأجر الذي يتلقاه أساتذة المعهد المولوي؟
يحكي القيادي الاتحادي ووزير المالية السابق، فتح الله ولعلو، تفاصيل دقيقة تعرف لأول مرة عن نظام التدريس بالمعهد المولوي، وبصفة خاصة عن تجربته في تدريس الأمير مولاي رشيد.
في بداية الموسم الدراسي لسنة 1986، سيتلقى فتح الله ولعلو اتصالا هاتفيا من طرف مدير المعهد المولوي بالقصر الملكي بالرباط الأستاذ عبد الجليل الحجمري، الذي يعرفه منذ أن دَرَسا معا في ثانوية مولاي يوسف، ليُخبره أنه وقع عليه الإختيار من قبل الملك الحسن الثاني للتدريس في قسم الأمير مولاي رشيد.
إقرأ أيضا: فتح الله ولعلو يتذكر (1): بوتفليقة كان يصف الحسن الثاني بـ”سِيدْنا”
وقتها، كان المعارض الاتحادي يشغل مهمة رئيس للفريق البرلماني الإتحادي، ويمارس مهام التدريس كأستاذ بكلية الحقوق بالرباط، ويشرف على جمعية الإقتصاديين المغاربة، إضافة إلى رئاسته لاتحاد الإقتصاديين العرب.
قبل فتح الله ولعلو المهمة، لكنه ذكّر عبدالفتاح الحجمري, بطبيعة مهامه التدريسية بالجامعة، التي تختلف تقنيا وبيداغوجيا عن التدريس بالثانوي، وأن ذلك سيتطلبُ منه جهدا خاصا للتأقلم مع الوضع الجديد، وهو ما تفهمه مدير المعهد المولوي وترك له المجال حرا للتصرف. وسيعمل فتح الله ولعلو على “المزاوجة بين الشق النظري والشق التطبيقي مع ميلٍ أكبرَ لربط ذلك بالواقع المغربي أكثر “.
كان الأمير مولاي رشيد، آنذاك، كما يحكي ولعلو في مذكراته تحت عنوان “زمن مغربي” والتي أعدها للنشر الصحافي والكاتب لحسن العسيبي،يدرسُ في مستوى نظام الثانوي للبعثة الفرنسية، يهيئ باكالوريا فرنسية، إلى جانب تكوين آخر مواز، عربي ديني صارم. ويشبه فتح الله ولعلو هذا النظام التعليمي بما كان عليه الأمر بثانوية مولاي يوسف وثانوية مولاي ادريس قبل الإستقلال، أي تكوين مزدوج عربي فرنسي.

يضم القسم حوالي 15 تلميذا من مختلف مناطق المغرب وينتمون لفئات اجتماعية مختلفة، ضمنهم من هم متفوقون وفيهم المتوسطون وفيهم من يتطلب مجهودا خاصا لإلحاقه بباقي زملائه التلاميذ، يشرح فتح الله ولعلو. ويضيف “مع تسجيل أن الأمير مولاي رشيد، قد سهل علي المأمورية منذ البداية، كونُهُ حرص على أن تكون علاقتنا منذ البداية علاقة تلميذ مع أستاذه، بما يستوجبهُ ذلك من انضباط واحترام وحسن متابعة.
إقرأ أيضا: فتح الله ولعلو يتذكر (2): منحت مؤسس “البوليساريو” 19/20 في الامتحان
بالتالي فقد احترمتُ بصرامة الضوابط البيداغوجية التربوية، سواء في تهييئ الدرس وإلقائه، أو في المراقبة والتتبع عبر الفروض والإمتحانات، أو عبر العروض الشفوية.”
منذ البداية اختار فتح الله ولعلو أن يجعل من بعض التلاميذ قاطرة للقسم، ويوضح أن هذا الأمر نابع من رغبته في “فتح المجال لنقاشات عامة داخل الفصل، تسمح بجعل الأمير مُنخرطًا في إطارٍ للنقاش يُدمِجُهُ في القضايا التي تعني جيله وبلده”. ويضيف :”وهو أمر نجحنا فيه بنسب عالية، علما أن أغلب باقي الأساتذة هم فرنسيون قدامى بالمعهد المولوي، دَرَّسُوا ولي العهد سيدي محمد (جلالة الملك محمد السادس) وكذا أخواته الأميرات”.

إضافة إلى مهمة تدريس الأمير مولاي رشيد، ستنضاف مهمة تدريسية أخرى لفتح الله ولعلو، يقول في هذا الصدد:” كُلِّفتُ أيضا في نفس الموسم الدراسي أن أُدرِّسَ في قسم الأميرة للا زينب (ابنة الأمير مولاي عبد الله شقيق الملك الحسن الثاني)، بداخل القصر الملكي وليس في بناية المعهد المولوي، لأن النظام التربوي يفصل قسم الذكور عن قسم الإناث. قسمُ الذكور بالمدرسة المولوية بتواركة، بينما قسمُ الإناث داخل القصر الملكي بالرباط. إضافة إلى الأمير مولاي يوسف إبن الأمير مولاي علي، ثم الأمير مولاي اسماعيل ابن الأمير مولاي عبد الله شقيق الملك، ثم الأميرة للاسمية بنت الأميرة لالة أمينة. علما أن القسم يُسمَّى عادة باسم الأمير أو الأميرة التي تدرس به.”
أمضى فتح الله ولعلو سبع سنوات بالمعهد المولوي، إلى حين تحمله لمسؤولية وزارة الإقتصادوالمالية في حكومة التناوب، حيث دَرَّس الأمير مولاي رشيد أربع سنوات.
يسجل فتح الله ولعلو، في مذكراته، أن الأمير مولاي رشيد “كان حريصا على صورته كأمير، وعلى ما تفرضه عليه مهامه الأميرية من مسؤوليات والتزامات”.
داخل القسم، كان الأمير “تلميذٌ مثل باقي التلاميذ، لكن تُفرضُ عليه التزامات أكثر من الآخرين”. ويقول فتح الله ولعلو إن النظام التربوي المتبع كان صارما “يفرض عليهم الإستيقاظ باكرا للصلاة وقراءة القرآن، قبل الإنتقال إلى حصص الدروس العادية. مثلما أنه كان ملزما أن يكون رهن إشارة والده الملك، حين يقرر أخده معه في لقاء عمومي أو سفر أو تدشين أو خطاب”. ومن بين تلك المهام، يتذكر فتح الله ولعلو: ” حضور الأمير رفقة ولي العهد، وعمره حوالي 16سنة، إلى جانب والدهما الملك، بالحدود لاستقبال الرئيس الجزائري الشادليبنجديد، وبعد عودته شعرتُ أنه بدأ يستوعب طبيعة أهمية وحساسية العلاقات بين المغرب والجزائر، وكذا حقيقة المشاكل المرتبطة أو المحيطة بتلك العلاقات بين البلدين الشقيقين الجارين”.
ويواصل فتح الله ولعلو أنه من الأمور التربوية التي تُفرضُ على الأمراء أيضا هي “ممارسة الرياضة وإلزامية تعلم اللغات الأجنبية، وفي المقام الأول منها بعد الفرنسية، هي التمكن جيدا من اللغة الإسبانية، ثم تليها اللغة الإنجليزية. بالتالي فالأمراء أتقنوا باكرا اللغة الإسبانية”
وحول الجمع بين مهامه كقيادي في حزب معارض وتدريسه بين أسوار القصر، يكشف فتح الله ولعلو قائلا:”حرصتُ دوما (وأنا أتوجه ست مرات في الأسبوع إلى المعهد المولوي)، أن أُقيمَ مسافةً بيني وبين المحيط العام للمعهد. أي أنني حرصتُ على الإلتزامفقط بمهامي التربوية التدريسية وأن لا أتجاوزها قط. فَهِمَ الجميع ذلك، اعتبارا لمسؤولياتي السياسية، التي كنتُ أحرص أن تبقى قوية دوما باستقلاليتها”.
لكن هذه المسافة لم تمنع تلاميذ المعهد المولوي والأمراء من متابعة الانشطة السياسية لأستاذهم، ويشرح فتح الله ولعلو ” منذ التحقت بالمعهد المولوي أصبح التلاميذ الذين أُدَرِّسُهُم، وضمنهم الأمراء، يتتبعون ما يحدث سياسيا من صراع وجدال وتدافع أكثر من مما كان عليه الأمر من ذي قبل. حيثُ أصبحوا يتتبعون يوميا النشاط البرلماني، يقرأون الصحف، وحين نغادر الفصل يسألونني، بما فيهم الأمير، الذي عادة ما يُبادرُ بالسؤال حول قضية ما من القضايا المثارة سياسيا أو برلمانيا. كنتُ أجيبُ على كل الأسئلة بدون مواربة، دون أن أترك لبروفيلي السياسي أن يطغى أو يسود، مما رسخ عمليا استقلالية قراري بيداغوجيا”.
ويتذكر، في هذا الصدد، كيف أنه غداة الحوار الذي أجرته معه الصحفية المغربية فاطمة الوكيلي أول حوار تلفزي بالقناة الأولى (وهو حوار سياسي)، وجد الصدى “حاضرا في الغد بقسم الأمير مولاي رشيد، وأُفْهِمْتُ أنه صدى غير محصور في القسم فقط، بل في كل القصر.”
ويتذكر فتح الله جيدا ولعلو كيف تم تهييء الأمير مولاي رشيد لنيل امتحان الباكالوريا، يقول في هذا الصدد: “في مرحلة الإعداد النهائي لامتحان الباكالوريا، تجند الطاقم التربوي لمصاحبة تلاميذ قسم الأمير مولاي رشيد، واقترحتُ صيغا تربوية تكوينية لمنحهم فرص الحصول على نقط إضافية، من خلال إعداد بحوث حول مواضيع متنوعة. اتصل بي سمو الأمير وطلب مني أن أقترح عليه موضوعا للبحث، ولأن الفترة تلك تصادفت مع لقاء مراكش التأسيسي لاتحاد المغرب العربي، اقترحتُ عليه إنجاز بحث حول بلدان المغرب العربي وممكنات التعاون الإقتصادية والخصوصيات الإجتماعية والثقافية بين شعوب المنطقة وتاريخهما النضالي المشترك. قَبِلَ سموه الفكرة وطلب استشارة والده الملك، ورَجَعَ في الغد جِدَّ مُتحمِّسٍ للموضوع”.
ويصيف “كان ذلك سببا لأن أشتغل معه رأسا لرأس أثناء مراحل إنجاز ذلك البحث مدة شهرين كاملين، خارج حصص الدرس بالقسم، حيث كنا نلتقي بالمعهد المولوي، وأحيانا في قصر مراكش وقصر فاس، تبعا لتنقلاته رفقة والده.
كانت النتيجةُ جيدة، حيث قدم بحثه أمام لجنة من الأساتذة المغاربة والأجانب وحاز نقطة جيدة، ساعدت في تحسين نتائجه في الإمتحان العام للباكالوريا، الذي أجراه سمو الأمير في ثانوية عمومية عادية، هي ثانوية السلام بحي التقدم الشعبي بالرباط. ولأنه امتحانُ باكالوريا فرنسية، فإن الأساتذة المُمْتَحِنِين جاؤوا من ثانوية ديكارت”.
ويحكي فتح الله ولعلو أنه قبل حصول الأمير مولاي رشيد على شهادة الباكالوريا، “اجتمع الملك الحسن الثاني مع مجلس الأساتذة بالقصر الملكي بمراكش للحسم في التخصص الجامعي الذي سيَتَوَجَّهُ إليه الأمير. كان يجلس وراءه مباشرة ولي العهد الأمير سيدي محمد (جلالة الملك محمد السادس) ومولاي أحمد العلوي وزير الدولة. طلب مني جلالته أن أكون أول المتدخلين، فاقترحت على جلالته أن يكون أستاذ الرياضيات أول المتدخلين، كون مدير المعهد المولوي الأستاذ الحجمري كان قد أخبرني أن تمة رغبة للملك في توجيه الأمير مولاي رشيد للتخصص في مجال الهندسة الفلاحية. ذلك ما حدث، حيث تدخل أولا أستاذ مادة الرياضيات (وهو فرنسي)، الذي أكد أن الأمير يتتبع مادته نعم، لكنه ليس شغوفا بالرياضيات، ثم تبعه باقي الطاقم التربوي واحدا واحدا. وحين جاء دوري، أكَّدتُ أن للأمير اهتماماتٍ سياسية بالأساس في مادة الإقتصاد، وأن ما كان يهمه هو ربط السياسة بالإقتصاد وله مقاربةٌ شمولية للأمر وليست تفصيلية، وهذا ناتج لتأثير المحيط طبيعيا عليه، كونه يحضر بعض الإجتماعات إلى جانب جلالة الملك، مما يمنحه إمكانيات تكوين مُوازٍمن خلال التتبع والحضور والإنصات.
قَرَّرَ جلالة الملك الحسن الثاني في النهاية أن يُوجِّهَ سموه صوب كلية العلوم القانونية والإقتصادية بالرباط، وأن يَتَخَصَّصَ مثل شقيقه ولي العهد الأمير سيدي محمد في القانون العام، المُتضمن لدروس أيضا في الإقتصاد”.
بعد التحاق الأمير بالجامعة ظلت علاقته بأستاذه قائمة، ويروي فتح الله ولعلو:”بعد التحاق سموه بكلية الحقوق بالرباط، بقي يدعوني دوما إلى حفل عيد ميلاده، الذي يكون حفلا محدودا، نحضره فقط حوالي عشرين مدعوا، نحتفل معه بكأس شاي وحلوى، ثم نغادر لنتركه يُكملُ الحفل مع باقي أقرانه من أصدقائه. علما أن شخصيته تتميز باحترامه الكبير لوضعيته كأمير، وهو جد مُنفتحٍ إنسانيا.
كان حريصا أن يبدُلَ مجهودا كبيرا لتكون نتائجه الدراسية جيدة، حتى يكون في حفل نهاية السنة أمام والده الملك (الصارم في أمور تربية الأمراء)، مُعتزًّا بتلك النتائج.
اكتشفتُ بعد شهرين من التدريس أن للأستاذ أحمد باحنيني أثرا في تتبع مسار عمل المعهد المولوي، حين أخبرني المدير أنه علي التوجه إلى القسم المالي لأخد “البركة الشهرية”. ورغم إلحاحي في الإعتذار عن قبول أي تعويض مالي كوني أستاذا جامعيا وأتقاضى أجرا شهريا قارا، فإنه أصر على الأمر، مؤكدا أنها توجيهات باحنيني.
ماهو المقابل المادي الذي يتلقاه الاساتذة الذين يدرسون بالمعهد المولوي؟ يكشف فتح الله ولعلو، بخصوص هذا الجانب، “اكتشفتُ بعد شهرين من التدريس أن للأستاذ أحمد باحنيني أثرا في تتبع مسار عمل المعهد المولوي، حين أخبرني المدير أنه علي التوجه إلى القسم المالي لأخد “البركة الشهرية”. ورغم إلحاحي في الإعتذار عن قبول أي تعويض مالي كوني أستاذا جامعيا وأتقاضى أجرا شهريا قارا، فإنه أصر على الأمر، مؤكدا أنها توجيهات باحنيني.
توجهتُ فعلا إلى القسم المالي بالإدارة، وحصلت على تعويضٍ نقدا، وهو تعويضٌ بسيط نسبيا، يعتبر مؤشرا على الحرص على احترام ضوابط التدريس العادية من طرف المعهد.
زارني في الغد السيد الحجمري ليتأكد من حصولي على التعويض، مردفا أنه أساسا “بركة”.
* مذكرات فتح الله ولعلو “زمن مغربي..مذكرات وقراءات”، تقع في جزئين، أعدها للنشر الصحافي والكاتب لحسن العسبي، وهي صادرة عن المركز الثقافي للكتاب ببيروت، وتُنشر في حلقات عبر “سفيركم”.