تعيش الجامعة المغربية حالة من الارتباك على خلفية الجدل الذي أثاره مشروع القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي، ففي الوقت الذي تتهم فيه النقابة الوطنية للتعليم العالي الوزارة بفرض إصلاحات “فوقية ومتسرعة” دون إشراك فعلي للأساتذة، يرى الطلبة أنفسهم ضحايا هذا الصراع المؤسساتي الذي أربك انطلاق الموسم الجامعي الجديد.
أيوكو: إصلاحات الوزارة فوقية وتسرعت في فرض القانون 59.24 دون إشراك فعلي للأساتذة
أوضحت جميلة أيوكو، عضوة المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي، أن الجامعة المغربية العمومية تعيش منذ سنوات أزمة اكتظاظ، وهشاشة البنية التحتية، وضعف التأطير البيداغوجي والعلمي والإداري، إلى جانب قلة الموارد المالية، ما جعل الوضع، بحسبها، يصل اليوم إلى “أزمة خانقة وارتباك كبير” خاصة على مستوى المؤسسات التي فرض عليها تعديل الهندسة البيداغوجية في العطلة الصيفية.
وأشارت أيوكو في تصريح قدمته لموقع “سفيركم” الإلكتروني، إلى أن وزارة التعليم العالي غيرت دفاتر الضوابط البيداغوجية لسلكي الإجازة والماستر في شهر غشت الماضي دون إشراك الأساتذة عبر الهياكل الجامعية من شعب و لجن بيداغوجية و مجالس مؤسسات و مجالس الجامعات، معتبرة أن هذه الخطوة سابقة لم تعرفها الجامعة المغربية من قبل.
وأضافت أن الوزير التزم خلال لقائه بالمكتب الوطني للنقابة بإرجاع النقاش إلى المؤسسات الجامعية وجمع الملاحظات على صعيد كل جامعة وإمداد النقابة بنسخة منها، على أن تتم مناقشة جانب الحكامة في دفتري الضوابط البيداغوجية بين الطرفين، أي النقابة و الوزارة من أجل تعديلها.
وذكرت أن إصدار مشروع القانون المنظم للتعليم العالي رقم 24-59 كان أيضا في نهاية شهر غشت نفسه دون إشراك النقابة، ما دفع النقابة إلى الدعوة لاجتماع اللجنة الإدارية يوم 14 شتنبر لتصريف الخطة النضالية التصعيدية إلى حين تجميد هذا المشروع و الذي أحيل على المجلس الحكومي أواخر شهر غشت دون إشراك النقابة.
وأكدت المتحدثة أن الوزير تعهد مجددا خلال لقائه مع النقابة يوم 16 شتنبر بالأخذ برأيها في المشروع، لكن المكتب الوطني فوجئ بإحالته على البرلمان، معتبرا ذلك “خرقا للاتفاق للمرة الثانية”، خصوصا وأن النقابة لم تتوصل بالنسخة الرسمية إلا يوم 29 شتنبر 2025.
ولفتت إلى وجود تفاوت بين الجامعات من حيث إدخال التعديلات الوزارية في المنصة الوطنية لأن العديد من الأساتذة ينتظرون مخرجات الحوار المرتقب بشأن الحكامة مع المكتب الوطني، مضيفة أن عملية إفراغ الوحدات القديمة في النظام الجديد الذي لازال في طور النقاش مع الوزارة زادت من تعثر انطلاق الدراسة.
وأبرزت أيوكو أن الدعوة إلى الإضراب الوطني ليومي 7 و8 أكتوبر الجاري تأتي احتجاجا على ما وصفته بـ“الوضعية المفتعلة من طرف الوزارة”، التي قالت إنها لم تحترم المساطر و المنهجية التشاركية، وتسرعت في هذا “الإنزال الفوقي” لإصلاح يتبع إصلاحات متكررة ” ترقيعية” عوض اللجوء إلى إصلاح شمولي يمس المضامين و الحقول المعرفية و ينبني على تقييم واسع و بناء على استراتيجية واضحة للنهوض بقطاع التعليم بالمغرب.
وفيما يتعلق بإمكانية التحاق طلبة الجامعات باحتجاجات “جيل Z”، قالت عضوة المكتب الوطني إن النقابة الوطنية للتعليم العالي تربط نضالها النقابي بنضال الحركات الاجتماعية الداعية إلى تحقيق العدالة والمساواة عبر تعليم عالي عمومي مجاني، جيد و منتج، مؤكدة أنها نددت في بلاغها الأخير بما وصفته بـ“المقاربة القمعية” التي طالت بعض الاحتجاجات السلمية، داعية إلى إطلاق سراح المعتقلين.
وأردفت أيوكو أن النقابة تراهن منذ عقود على مبدأ الحكامة التشاركية، لكنها ترى أن الوزارة أثبتت أن “الطرف الحكومي المسؤول على التعليم العالي خصوصا لا ينتج إلا التسويف و خرق الاتفاقات المعلن عنها من حين لآخر”.
واستطردت النقابة الوطنية للتعليم العالي أنها كانت تطالب منذ سنوات بمراجعة القانون 01-00 بهدف تعزيز العدالة والديمقراطية داخل الجامعة وضمان استقلاليتها، غير أنها فوجئت بإحالة مشروع قانون جديد للتعليم العالي على المجلس الحكومي ثم البرلمان خلال العطلة الصيفية، دون أي استشارة أو إشراك لها في إعداد مضامينه.
وشددت على ضرورة أن تسارع الوزارة إلى تعديل دفاتر الضوابط البيداغوجية وفق مقترحات الأساتذة المعبر عنها من خلال هياكلهم الجامعية، وأن تناقش مع المكتب الوطني الشق المتعلق بالحكامة كما تم الاتفاق عليه، ثم تلبي مطالب الأساتذة وتنفذ ملفهم المطلبي.
واعتبرت النقابة أن سحب مشروع القانون 59.24 هو مطلب رئيسي للأساتذة الجامعيين، مذكرة بأنها خاضت إضرابا وطنيا لمدة 24 ساعة يوم 17 شتنبر، تخللته ندوة صحفية لشرح موقفها من المشروع.
وخلصت بالإشارة إلى أنها تستعد، تزامنا مع الإضراب المقرر يومي 7 و8 أكتوبر، إلى تشكيل جبهة وطنية للدفاع عن الجامعة العمومية والتعليم العمومي، بمشاركة القوى الديمقراطية والفعاليات المدنية، بهدف التصدي لمشروع القانون وحماية مجانية التعليم والمرفق العمومي من الخوصصة.
طالب جامعي: الجامعة في أزمة والطالب ضحية صراع بين الوزارة والنقابات
ومن جانبه، قال عز الدين أهرموض، طالب بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، في تصريح لموقع “سفيركم” الإلكتروني، إن الطلبة غير راضين عن الوضع الذي تعرفه الجامعة بسبب تأخر الدخول الجامعي، والإضرابات المرتقبة للأساتذة يومي 7 و8 أكتوبر الجاري.
وأبرز أن تأثير ذلك سيكون وخيما على سيرورة التكوين، من خلال تقليص عدد من المحاور بدل التعمق فيها، وكذا تقديم موعد الامتحانات دون منح فترة كافية للمراجعة، ناهيك عن الظروف المادية والنفسية للطلبة، ولا سيما تلك المتعلقة بالسكن أو بفقدان فرص عمل مؤقتة.
وأردف قائلا: “بهذا يكون الطالب ضحية صراع مؤسساتي بين الوزارة والنقابات، بدل أن يكون محور الحل”، مطالبا بضرورة اتخاذ إجراءات مؤقتة تضمن استمرارية التدريس، وإجراء تقويم واضح لمواعيد الامتحانات، وتسطير برنامج تعويضي إذا اقتضى الحال مع الالتزام به.
ورجح عز الدين أهرموض أن يلتحق طلبة الجامعات باحتجاجات حركة “جيل Z”، نظرا لتقاسمهم نفس المطالب، ولا سيما تلك المتعلقة بالتعليم، متوقعا أن تكون انتفاضتهم من داخل الحرم الجامعي، بالنظر إلى المشاكل الكبيرة التي تعاني منها الجامعة، من قبيل تأخر الدخول الجامعي، وإضرابات الأساتذة، ومشاكل أخرى مثل: الاكتظاظ، وتأخر سحب الوثائق، وتسليم الشهادات.
واعتبر الطالب الجامعي أن القانون 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، جاء بمجموعة من النقاط التي وصفها بـ”الغامضة” و”غير المفهومة”، مضيفا أنه زاد من حدة التوتر بين الأساتذة الجامعيين والوزارة، إذ يهدف من جهة إلى تطوير التعليم وجعله أكثر نجاعة، لكنه يطرح من جهة أخرى تخوفا كبيرا من أن يمس باستقلالية الجامعة وحقوق الأساتذة.
وشدد أهرموض على أن الإصلاح الحقيقي يجب أن ينبني على تشاور فعلي مع نقابات التعليم العالي والأساتذة وكذا الطلبة، عوض فرضه دون نقاش، مرجحا أن يكون لتطبيق هذا القانون دون حوار أو تشاور حقيقي أثر سلبي على الحياة الجامعية، مما قد يزيد من تعميق أزمة القطاع.