قال الخبير التربوي، عبد الرزاق بن شريج، إن رغم بدء تنفيذ الرؤية الاستراتيجية المتعلقة بالتعليم في المغرب منذ 2015، لا يزال تحقيق مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص بعيد المدى، موضحا أن التعليم الأولي يعاني من ضعف الجودة، والعرض المدرسي غير كاف، بالإضافة إلى الانقطاع والهدر المدرسي.
وأوضح بن شريج في حوار خاص مع جريدة “سفيركم الإلكترونية” أن المنظومة التعليمية لا تزال تعاني من عدم المساواة والإنصاف، مما أدى إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة.
وفي السياق نفسه، أكد بن شريج أن لتعزيز الثقة ينبغي التركيز على معالجة التفاوتات في التعليم وضرورة الإرادة السياسية للاستثمار في التعليم كعنصر أساسي للتنمية.
وهذا نص الحوار
1. ما هي أبرز المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال الإنصاف وتكافؤ الفرص منذ تطبيق القانون الإطار 51.17؟
منذ 2015، وهو تاريخ بدء تنفيذ الرؤية الاستراتيجية، التي تركز في جوهرها على إرساء مدرسة جديدة تقوم على مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع، والارتقاء بالفرد والمجتمع، وفقًا لما ورد في مقدمة مشروع الرؤية الذي أعده المجلس الأعلى للتربية والتكوين واعتمدته الحكومة المغربية وشرعت في تنفيذه منذ أكثر من 10 سنوات. وقد ركز القانون الإطار 51.17 على مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص، غير أن الرؤية الاستراتيجية تبقى الأصل. سواء بدأنا العد من 2015 تاريخ بدء الرؤية أو من 2019 تاريخ المصادقة على القانون الإطار، فإن المطلوب هو تفكيك مفهومي الإنصاف وتكافؤ الفرص، والبحث عن المعايير والمؤشرات التي تمكننا من قياس المكتسبات في هذا الإطار.
الإنصاف يعني تمكين جميع الفئات الاجتماعية من الاستفادة بشكل متساو من الإنفاق العمومي المخصص للتربية، بهدف تحقيق الترقية الذاتية والمجتمعية لكل أبناء وبنات المملكة. أما تكافؤ الفرص، فمن اسمه يتضح أنه يتعلق بمنح جميع أبناء الوطن نفس الفرص، أي أن تكون المدرسة مفتوحة للجميع على أساس التكافؤ والمساواة بين مختلف الأفراد في المجتمع، مع استيعاب كل الراغبين في متابعة دراستهم بنفس الأساليب والوسائل التربوية وأدوات التقويم، دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الطائفة أو الجغرافيا أو الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية.
يمكن التركيز على ثلاث نقاط رئيسية تتعلق بجوهر الإنصاف وتكافؤ الفرص في التعليم:
– التعليم الأولي: لا يزال التعليم الأولي تحت رحمة جمعيات غير متخصصة، وهو أمر لا يتماشى مع معيار تكافؤ الفرص. فقد تحولت هذه الجمعيات إلى مقاولات اقتصادية، والمغاربة يعرفون أن مستوى التعليم الأولي في القرى والبوادي ضعيف جدا. وهذا يعني أن عددا كبيرا من الأطفال لا يستفيدون من هذه الخدمة، حتى وإن كانت ذات جودة منخفضة.
– العرض المدرسي: لا يزال العرض المدرسي دون المستوى المطلوب، مما يؤدي إلى الاكتظاظ في معظم المؤسسات التعليمية، وحذف التفويج، ونقص الوسائل التعليمية. بالإضافة إلى غياب التجارب والمناولات بسبب تهميش دور المختبرات العلمية في المواد التجريبية، مما يؤثر بشكل مباشر على مبدأ المساواة بين أبناء المجتمع. وعلى الرغم من أن الدولة تروج لفكرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لخدمة المساواة، إلا أن هذا الشعار يتعارض مع المنطق والواقع الميداني.
– الانقطاع والهدر المدرسي: يمثل الانقطاع الدراسي والهدر المدرسي مشكلتين كبيرتين، تتسببان في كوارث اجتماعية، أخلاقية، واقتصادية. فالمدرسة لم تنجح في استيعاب جميع الأطفال، ولم توفر لهم حقهم في التربية والتكوين.
2. لا تزال تواجه المنظومة التربوية تحديات عديدة فيما يتعلق بتحسين جودة التعليم في المدارس العمومية. ما هو تأثير ذلك على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للإصلاح التربوي في المغرب؟
بدون شك، لهذا الوضع تأثيرات سلبية على جميع الأهداف، لأن مكونات المنظومة التربوية مترابطة ومتكاملة، ولا يمكن الاستغناء عن أي جزء منها. كل الجهود موجهة نحو خدمة المتعلم. فإذا كانت الأهداف الاستراتيجية التي لخصتها خارطة الطريق تتمثل في تحقيق الزامية التعليم وضمان جودة التعلمات وتعزيز التفتح والمواطنة، فإن تحقيق هذه الأهداف يعتمد على مبادئ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع أبناء الشعب. بدون تطبيق هذه المبادئ، سيكون من الصعب تحقيق الإصلاح التربوي بشكل فعال وشامل.
3. ما هي المكتسبات والتحديات التي واجهتها المنظومة التربوية في المغرب خلال العشر سنوات الماضية، وكيف أثر ذلك على تحقيق مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص في التعليم؟
صحيح أن تقرير المجلس الأعلى تطرق إلى المكتسبات وأوردها بالتحديات، إلا أن تقارير المؤسسات غالبا ما تستخدم لغة خاصة دون الاعتماد على الأسلوب المباشر. يمكن اكتشاف ذلك بالرجوع إلى الصفحات من 42 إلى 79 من التقرير، التي خصصت للتعليم المدرسي والعالي والتكوين المهني. يجدر بالذكر أن ما يعتبر مكتسبات جديدة في التقرير لا يظهر تأثيرا مباشرا على المنظومة، رغم أهميته. على سبيل المثال، يعتبر إصدار القانون الإطار بمثابة مكتسب في حد ذاته.
فيما يتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في خدمة المساواة، أبدى التقرير اهتماما بإحصاءات عدد المؤسسات الخاصة وعدد المتعلمين بها. وخلص المجلس إلى دعوة تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص فيما يتعلق بالتجربة والمهارات والموارد البشرية والبنية التحتية، على أساس وضع إجراءات تحفيزية يمكن للقطاع الخاص الاستفادة منها في إطار الوفاء بالتزاماته التعاقدية مع الدولة.
وبذلك، فإن وصف الوضعية العددية للتلاميذ يعتبر مكتسبا، لكنه ينتهي بالتحديات التي توضح أن المنظومة، رغم مرور 10 سنوات على بدء مشروع الإصلاح، لم تحقق أي مساواة أو إنصاف أو تكافؤ للفرص. بل إن هذا الوضع أدى إلى تسرب اليأس في نفوس المعنيين بإصلاح المنظومة التربوية، مما أفقد الثقة في العديد من مؤسسات الدولة، بما في ذلك وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي.
4. كيف يمكن تعزيز الثقة في الإصلاحات التعليمية لدى المهنيين والمجتمع، خاصة في ظل التحديات المؤسسية والقانونية التي أشار إليها التقرير؟
الثقة تعد المفتاح الأهم لدعم أي إصلاح أو مشروع إصلاحي. في هذا السياق، يمكن العمل على مدخلين رئيسيين:
– المدخل التربوي: يتضمن معالجة التفاوتات في الاستفادة من التربية والتكوين، وتفعيل مفهوم مدرسة الإنصاف بشكل عملي وليس كشعار فقط. وقد أوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين سابقا بتخويل التمدرس في الأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص، كتدبير تمييزي إيجابي، لاستدراك جوانب النقص والتعثر. وفيما يتعلق بتكافؤ الفرص، فقد أوصى المجلس بضمان مقعد لكل طفل في سن التمدرس، خاصة في التعليم الإلزامي للفئة العمرية من 4 إلى 15 سنة، إضافة إلى ضمان المواظبة واستدامة التعلم، والتصدي لكل أنواع الهدر والانقطاع والتكرار. وهذا يستلزم إجراء تغييرات جذرية في السياسة التعليمية بدل التركيز على الهامش.
– المدخل السياسي: يعتبر مفتاحا لفتح معظم الأبواب المغلقة التي تحول دون اعتبار التربية والتعليم أساسا لتطور الأمم. من أجل نجاح أي مشروع إصلاحي، يجب أن تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية، والوعي بأهمية التربية والتعليم والبحث العلمي، وأهمية الاستثمار في تكوين البشر، كونه استثمارا مربحا على المدى المتوسط والبعيد.
تعليقات( 0 )