تُعتبر السياسية المغربية الفرنسية، رشيدة كعوت، التي ترأس المفوضية العليا للمغتربين الأفارقة، من بين الوجوه المغتربة التي تمكنت من تحقيق حضور مهم في المشهد السياسي بفرنسا، عن طريق تدبير شؤون المغتربين المغاربة والأفارقة.
في هذا الحوار الذي أجرته مع جرية “سفيركم” الإلكترونية، تكشف كعوت العديد من تفاصيل حياتها الشخصية والمهنية، وولوجها لعالم السياسة، وارتباطها بقضايا المغتربين.
وجاء الحوار كالتالي:
–من هي “رشيدة كعوت”؟
رشيدة كعوت، من مواليد بني ملال، حيث جبال الأطلس، وُلدت في المغرب، وتنفست الهواء المغربي، ورضعت من قبل تسع أمهات، وأنا نصف أمازيغية، نصف عربية، “شلحة وعربية” في نفس الوقت.
وصلت لفرنسا بعمر ثلاثة أشهر رفقة والداي، وأكملت دراستي في فرنسا، حيث درست الاقتصاد في جامعة السوربون، ثم أكملت الماجستير في التجارة الدولية بإحدى مدارس التجارة الباريسية، بعد ذلك، ذهبت إلى الخارج لمدة عام وتحديدا إلى إنجلترا، حيث تابعت مسارا مشابها في الاقتصاد.
طورت مهاراتي وأكملت مساري الدراسي، مما أتاح لي بعد ذلك العمل في مواقع البيع الخاصة، لن أذكر الأسماء، لكنني كنت واحدة من أوائل الأشخاص الذين أسسوا أول موقع بيع عبر الإنترنت في فرنسا، والذي أصبح نموذجا يُحتذى به، وهذا ما جذب انتباه برنار تابي، رحمه الله، إليّ عبر “صائد مواهب”.
عملت مع برنار تابي لسنوات عديدة، حيث أنشأت منصته الرقمية، وطورت العديد من المشاريع مع ابنه في مجالات مختلفة، بما في ذلك المالية، الاقتصاد، والاستحواذ على الشركات، لقد كانت تجربة رائعة وأحد أفضل المدارس في حياتي، حيث إنها تعادل أكثر من 35 عاما من الخبرة المهنية.
هذه التجربة ساهمت أيضا في تشكيل شخصيتي، وبعدما مر برنار تابي بما مر به، قررت الانسحاب وإنشاء شركتي الخاصة، وبالتالي أسست شركة “استشارات وتطوير”، حيث قمت بمرافقة الشركات في نموها وتوسعها على مستوى القارة الأفريقية، التي كنت أعرفها جيدا من خلال الأنشطة التي كنت أقوم بها في مناصبي المختلفة.
بعد ذلك، جاءت السياسة إليّ، فقد كان إيمانويل ماكرون، في إطار حملة “1000 موهبة”، يبحث عن شخصيات من جميع أنحاء فرنسا تعمل على تغيير الواقع، وفي ذلك الوقت، تم اكتشافي لأنني كنت قد أنشأت حاضنة لدعم الشباب في مشاريعهم لإنشاء شركاتهم، ذلك لأنني مقتنعة بأنه في الواقع لا توجد حتمية، بل أحيانا يكون السبب أننا لا نعرف الأشخاص المناسبين أو لا نصادف الفرصة المناسبة، إذ يمكن أحيانا أن تتغير مصائر الآخرين فقط إذا دفع أحدهم 2000 أو 3000 اورو لشخص آخر لتمكينه من إنشاء شركته، بل وأكثر من ذلك، هذا يمكن أن يغير مصير عائلته بأكملها.
بدأت على هذا النحو، شيئا فشيئا، في تقديم الدعم على مستواي الخاص، واليوم أشعر بفخر كبير لأنه بفضل هذه التجربة الغنية، وهذه القصة الحافلة، وكل هذا الالتزام، ساهمت في إنشاء المفوضية العليا بفضل خبرتي كمديرة أعمال، وأيضا خبرتي على مستوى السياسة، قضلا عن كل الدبلوماسية التي تعلمتها.
السياسة ليست سهلة، لكنها مدرسة رائعة عندما تؤدي إلى نتائج إيجابية مثل هذه.
-كيف ترين انعكاس خطاب الملك محمد السادس الأخير حول مغاربة العالم وارتباطه بالعلاقات المغربية الفرنسية المتجددة؟
فرنسا والمغرب بلدان شقيقان الآن، لقد عشنا تلك المرحلة المؤلمة حيث كان كل طرف يحاول شد الحبل إلى جانبه، لكننا كنا نعلم أن النهاية ستكون المصالحة، هذه هي السياسة، ونحن لسنا هنا لنمارس السياسة، بل لنواصل طريقنا.
السياسيون يعرفون ما عليهم فعله وسيستمرون في ذلك، لكن في كل الأحوال، هذا لن يؤثر على التزاماتنا، ويجب أن نظهر للعالم أن شيئا تاريخيا قد حدث اليوم، اجتماع الشعوب، وكل هذه الألوان التي رأيتموها في القاعة قبل قليل، وكل أصدقاء إفريقيا، لأننا لا نستثني أحدا، “أصدقاء إفريقيا الذين يرغبون في التقدم والسير يدا بيد”، يجب أن نظهر جميعا لكل هؤلاء المتطرفين من اليمين المتطرف وكل ممثلي أشكال التطرف، والقوميين، أنه لا مكان لهم في مجتمعنا، هذا هو هدفنا، لأنهم يقسمون ويدمرون ولا يتركون مجالات إيجابية، لأشخاص إيجابيين ليخلقوا أشياء إيجابية وبالتالي عالما أفضل.
لهذا، لدينا مسؤولية أيضا في مواجهة كل هذه الخطابات التي تروج للكراهية ومحاربة جميع أشكال التمييز الممكنة، لهذا السبب حرصت على دعوة مدير المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، روبرت إيجنيس، حيث إن لعذا الأمر دلالة قوية، لأننا لم نتمكن أبدا من الاتفاق من قبل، لكن اليوم رأينا كيف كان الجميع متفقا.
-كيف ترى كعوت دور المغرب في التقريب بين فرنسا وأفريقيا؟
المغرب يلعب دورا محوريا في القارة الإفريقية وبين القادة الأفارقة، وقد كسبت الاحترام بهذه الطريقة، لأنه في كل مرة كنت أقدم نفسي، كانوا يقولون لي: «أنت مغربية، أليس كذلك؟» فأجيب: «نعم، أصلي مغربي».
وأستطيع أن أقول لكم إن جميع الرؤساء الذين قابلتهم في إفريقيا قالوا لي: «صديقنا الملك»، وكان ذلك استثنائيا، حتى أن أصدقائي والناس الذين يعملون معي،يقولون لي رشيدة، الأمر ينجح معك لأنك محايدة، ولأنك من أصل مغربي، هذا البلد الذي يقدم الكثير لإفريقيا ولكل دول القارة الإفريقية من حيث الالتزام، سواء في مجال التنمية أو في مجالات الاقتصاد والمالية وغيرها، وخاصة مع المشاريع التي اقترحناها في مجال التعليم»،.
يقدم لنا المغرب الكثير كقاعدة خلفية داعمة، لقد استخدمت المنصة المغربية لإنشاء برنامج “إيراسموس إفريقيا” الذي لم يتم إنشاؤه من قبل، وأتساؤل لماذا لم يتم إنشاؤه؟ لدينا جامعات استثنائية في إفريقيا، لدينا باحثون ولدينا أساتذة.
وأقول لنفسي: «لماذا يذهب أطفالنا إلى الخارج؟ لماذا؟ ماذا يفعلون في فرنسا أو أوروبا؟ لم يعد هناك شيء بأوروبا تلك حقبة مضت، اليوم لدينا قارة تضج بالحياة، وهي إفريقيا».
اليوم، في بلادنا، الحمد لله، هناك الكثير من الأشياء التي يجب القيام بها، نحن بحاجة فقط إلى دعم سلطاتنا، لكي نتقدم للأمام، ونحقق الظروف المناسبة، لا نحتاج إلى المال، ولا نريده لدينا مايكفي من الإمكانيات، لكننا بحاجة إلى التسهيلات للقيام بجميع الإجراءات الممكنة والمتخيلة، وأقول أنه ليس فقط في المغرب، ولكن في جميع دول إفريقيا، الصعوبة الكبرى تكمن في الإجراءات الإدارية، وهذا يمثل مشكلة كبيرة، لذلك طلبنا منهم إنشاء منصات مخصصة لتسهيل عودة أفراد الجاليات إلى الوطن، وفي نفس الوقت توفير جميع المشاريع الاستثمارية التي يحتاجها البلد على نفس المنصة، وهذا سيسرّع الأمور بشكل كبير.
-كيف تولدت لديك فكرة جمع الأفارقة مع المغتربين في فرنسا؟
في الصيف، كنت منخرطة في السياسة، كنت منخرطة في الدائرة التاسعة للمغتربين الفرنسيين، وكنت أرغب في الترشح لأكون نائبة المغتربين الفرنسيين في تلك الفترة من الانتخابات التشريعية التي مرت، إنه في الواقع مسار سياسي، وتطور مرتبط بجميع اللقاءات التي تمكنت من القيام بها.
لقد التقيت سكان المغرب، الجزائر، مالي، كوت ديفوار، السنغال، النيجر، وقمت بزيارة 16 دولة، وفي جميع هذه اللقاءات، معظم الأشخاص الذين التقيتهم، إن لم أقل 70% منهم، كانوا من أفراد الجاليات مثلما هو حالي، أفراد من الجالية الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية أو الذين استقروا بكل بساطة في بلد إفريقي وتحدثوا لي عن مساراتهم قائلين: “حسنًا، لقد غادرنا فرنسا لأن فرنسا عنصرية ولم يعد انا مكان فيها”، أو “لأننا وجدت فرصا للأعمال والتجارة”. حسنًا، هذا رائع، لكن هناك ثروة هائلة هنا، غير مستغلة.
في النهاية قلت لنفسي: “رشيـدة، هل انخرطتِ في السياسة للحصول على لقب؟” أم “انخرطتِ في السياسة لتُحدثي تغييرا في العالم بطريقتك الخاصة؟” وليس هناك ما هو أفضل من الجانب الجمعوي لأنه محايد، لا يحمل لونا سياسيا أو دينيا، وهذا هو السبب في أن الأمور تسير بشكل جيد اليوم، بغض النظر عن اختلافنا أحيي جميع هذه الأصول والجنسيات، جميع هؤلاء المشاركين الذين يدعمون اليوم المفوضية العليا.
وهذا أيضا ما جعلنا نحظى بالرعاية السامية من رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، وهو أمر لم يكن متوقعا بالنسبة لي، عندما قال لي قصر الإليزيه: “اسمعي، ما تفعلينه جيد، يجب أن تواصلي”، قلت: “نعم، بالطبع، ولكن ماذا نفعل؟” الآن، أنتظر أيضًا مشاركة جميع حكومات البلدان الأصلية المعنية، وكذلك فرنسا، ماذا يمكن أن تقدم الحكومة الفرنسية لهذه الشعوب؟ الأيادي التي يمكنها مدها؟ وكان ذلك بشكل مباشر.
قمت بنفس الأمر مع الحكومة في السنغال، في مالي حيث نشعر بوجود التوترات اليوم، كما قمت بنفس الأمر مع المغرب، مع ناصر بوريطة الذي أعتبره رجلا استثنائيا حيث يقدم دعمه يوميًا للجالية المغربية المقيمة بالخارج، لأنه بعد خطاب صاحب الجلالة، الذي أشكره جزيل الشكر، فإن اليد الممدودة نحو مغاربة العالم هي أمر أساسي، لأن لدينا دورًا نلعبه في وطننا، بلدنا بحاجة إلينا بنفس الطريقة التي تحتاج فيها كل الجنسيات الأخرى الموجودة في المفوضية العليا لشؤون الجاليات الإفريقية في فرنسا.
-كيف استطعت تنظيم هذا اللقاء الذي جمع أطيافا عدة بشكل ناجح؟
اليوم هو يوم عظيم لأننا نظهر للعالم أن الجاليات الإفريقية المقيمة في الخارج، بما في ذلك المغاربة المقيمون في فرنسا، يمكنهم أن يتحدوا لإثبات أنه يمكننا التقدم معًا اليوم، يدًا بيد، في القضايا التي تهمنا، في القضايا التي تهم حياتنا اليومية في فرنسا أو ببساطة في التزامنا تجاه بلداننا الأصلية، لا سيما في مشاريع التنمية، الاستثمار، ودعم عائلاتنا التي بقيت في الوطن.
اليوم، نفخر بعرض أكثر من 28 جنسية من القارة الإفريقية، بما في ذلك إفريقيا الناطقة بالفرنسية، إفريقيا الناطقة بالإنجليزية، وكذلك الأرخبيلات مثل سيشل، وهو بالنسبة لنا مصدر فخر كبير اليوم لتمكننا من جمعهم معًا للتفكير، لإيجاد حلول، ولكن خاصة لتقديم مقترحات، لأن مؤسستنا ليست فقط مكانًا للكلام كما اعتدنا، وكثرة الترصيات، وكأن الجميع خبراء وفي نفس الوقت لا أحد خبير.
اليوم لدينا مسؤولية، وهي تقديم حلول ملموسة للمشاكل التي حددناها، وبفخر كبير نقدم اليوم كتيب الاستقبال الخاص بالوافدين الجدد، عندما يصلون إلى فرنسا، لأننا أدركنا أنه عندما يأتون من بلدهم، يذهبون إلى المحافظة للحصول على بطاقة الإقامة ، فيتم إعطاؤهم ورقة تحتوي على رابط لمعرفة كيف تعمل فرنسا مع رسالة ترحيب، لكن سيدة قادمة مثلا من أعماق بني ملال عندما تصل إلى فرنسا وتذهب إلى المحافظة لاستلام تصريح إقامتها فيعطونها هذه الورقة، مع الرابط، ويطلبون منها النقر عليه وقراءة ما هي فرنسا بينما هي لا تفهم شيئا ماذا يمكن أن تفعل؟؟، ولا أتحدث هنا حتى عن أولئك الذين يأتون من أعماق باماكو أو تنزانيا.
لذلك يجب أن نتعامل مع الأمور بجدية، وهذا هو السبب الذي جعل المفوضية العليا لشؤون الجاليات الإفريقية في فرنسا، تنشئ كتيب استقبال مصور نشرح فيه في بضع صفحات، ما يعنيه القدوم إلى فرنسا، كيف تعمل الأمور، ما هي قواعد الجمهورية، وما هي الجمهورية أساسا، أشياء كثيرة ذات معنى، ولكن يمكن فهمها بطريقة ممتعة، تقلب الصفحات بكل بساطة وترى مجموعة من الشخصيات تتطور: واحدة آسيوية، أخرى من أصول عربية، وشخص آخر ذو بشرة سمراء الخ، والهدف هو أن يكون هذا الكتيب موجهًا لجميع الوافدين الجدد والمهاجرين الذين يأتون إلى فرنسا.
-ما هي الصعوبات التي واجهتموها في حمع هذه الأطياف والجنسيات؟
لقد كان الأمر معقدًا، في اليوم الذي أطلقت فيه هذه الفكرة لجمع كل الجاليات لكي تكون أمة واحدة تعمل يدًا بيد، قيل لي: لن تنجحي، لأن العرب لا يتفقون أبدًا، والأفارقة لن يستطيعوا التقدم مع المغاربيين، والأفارقة المنحدرين من إفريقيا الوسطى وغيرها من غير المغرب العربي.
واليوم، أظهرنا مثالًا رائعًا للغاية، وهو مثال الصمود وتجاوز الذات من أجل النجاح، لأن العالم بحاجة إلينا ، وصلنا إلى لحظة في تاريخنا، حيث إنه يتوجب علينا، بغض النظر عن أصولنا وانتماءاتنا الدينية، أن نجد حلولًا لقضايا أساسية حقًا، نقول: “يد واحدة لا تصفق”، ولهذا السبب نجحت فكرة إنشاء المفوضية العليا، لأنها المشروع الذي اقترحته عليهم، مع كل فريقي، حيث قمنا بجولات في جميع أنحاء فرنسا.
ذهبنا لمقابلة كل جمعيات الجالية الأكثر تمثيلية، التقينا بالفيدراليات المغربية، الجزائرية، التونسية، المصرية، المالية، الإيفوارية، وكذلك من كينيا.
جمعيات الجالية تقوم بعمل رائع، لكنهم كانوا يعملون حول الأنشطة الثقافية فقط، لذلك قلت لهم: حسنًا، ماذا لو توقفنا عن الاكتفاء بالاحتفال والاجتماع فقط لتناول الكسكس؟ إذا اجتمعنا لنقوم بأشياء جيدة ومهمة، سنصل إلى شيء مهم.
اليوم، يبحث عنكم الجميع لتكونوا قوة يوم الانتخابات أو عندما يحتاجون إليكم لإظهار الإشعاع الثقافي لبلدكم، هذا جيد، أنتم تقومون به بالفعل بشكل رائع، لكن اليوم، سنفكر في العمق وفي الحلول التي يمكننا تقديمها، لأننا نحن فقط القادرون على تحقيق ذلك.
لذا اليوم الحمد لله، والشكر لله، ترون بأعينكم، أنه لدينا حوالي أكثر من 28 جنسية، من بينها المغرب العربي، أحييهم، لأنهم جاؤوا، لتشجيع هذا الحدث.
كلمة أخيرة
شكرا لكم، لقد أظهرنا للعالم أجمع أنه لا توجد حدود، وأننا جميعا ننتهي في نفس المكان، شكرا لدعمكم، أكملو لأن الطريق لازال طويلا.