لاقت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأربعاء، لرئيس الحكومة الانتقالية السورية، أحمد الشرع في الرياض، غداة تعهده برفع العقوبات عن دمشق، ردود أفعال متباينة، من طرف الفاعلين بالمنطقة.
واستغرب متتبعون من اللقاء الثنائي الذي جمع ترامب بالشرع، الذي كان في السابق مدرجا على قوائم الإرهاب الأمريكية، ومطلوبا من وزارة الخارجية مقابل مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار، وهو اليوم يلتقي الرئيس الأمريكي كرئيس دولة.
ووُلد أحمد حسين الشرع عام 1982، في أحد أحياء العاصمة السعودية الرياض، وسط أسرة سورية تنحدر من منطقة الجولان المحتل، وتحمل في جذورها ميولا قومية معارضة للنظام البعثي، وقد كان والده من الأصوات الرافضة لحكم الأسد، وقد ذاق مرارة السجون في سوريا والأردن، قبل أن يلجأ إلى العراق هربا من القمع.
وانتقل الشرع إلى سوريا في سن السابعة، حيث بدأ يتشكل وعيه في ظل بيئة مشبعة بالأفكار المعارضة، حتى وجد نفسه في مطلع العشرينيات من عمره يعبر الحدود نحو العراق، قبل أسابيع من الغزو الأمريكي سنة 2003، بدافع ما اعتبره حينها “الجهاد ضد المحتل”.
الرئيس السوري انضم بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، وسرعان ما أصبح فيما بعد من مقاتليه الميدانيين، ثم اعتقل من قبل القوات الأميركية، وزُجّ به في سلسلة من السجون التي أصبحت معروفة بكونها حاضنة للتطرف، أبرزها سجن أبو غريب، ثم معسكر بوكا سيئ السمعة، الذي أمضى فيه خمس سنوات خلف القضبان.
واستغل الشرع تواجده بالسجن لتوسيع نفوذه الفكري بين السجناء، حيث بدأ بتشكيل قاعدة من الأتباع ونشر تصوراته حول “الجهاد والدفاع”.
خرج من السجن عام 2008، ليُعاد دمجه في صفوف “الدولة الإسلامية في العراق”، المعروف باسم “داعش” التي كان يقودها آنذاك أبو بكر البغدادي، ليتولى مسؤولية العمليات في الموصل، وهو معروف باسم “أبو محمد الجولاني”.
وعاد الجولاني إلى سوريا في سياق اندلاع الثورة السورية سنة 2011، ليؤسس في يناير 2012 “جبهة النصرة لأهل الشام”، التي قدمها كتنظيم جهادي لنصرة الشعب السوري، متخذا من قرية الشحيل في دير الزور منطلقًا لنشاطه.
وبعد دخوله في صراع علني مع البغدادي بسبب رفضه دمج جبهة النصرة في تنظيم “داعش”، أظهر الشرع الولاء للقاعدة بقيادة أيمن الظواهري.
الولاء لم يدم طويلا، ففي يوليوز 2016 أعلن الجولاني قطع علاقته بتنظيم القاعدة، وأعاد تسمية تنظيمه إلى “جبهة فتح الشام”، في محاولة لإعادة التموضع داخل المشهد السوري المعقد. لتصبح الجبهة لاحقا “هيئة تحرير الشام (HTS)”.
وقاد الشرع هجَمات واسعة للمعارضة السورية على قوَّات النظام، نجحت في إسقاط نظام بشار الأسد، وتشكيل حكومة انتقالية في 10 دجنبر حيث عُين الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية للمرحلة الانتقالية.
ويرتقب أن تكون لزيارة الرئيس الأمريكي، “رجل السياسة الثري”، ما بعدها خاصة فيما يتعلق بموقف سوريا من إسرائيل وإمكانية الانضمام لاتفاقيات أبراهام التي يطمح ترامب لتقريب الشرع منها.
ويصنف ترامب بأنه قريب من اليمين المتشدد في الحزب الجمهوري، ويتمتع الرجل باستقلالية مالية كبيرة تجعله متحررا من جماعات الضغط في حزبه، ويؤمن بقدرته الشخصية على استرجاع “عظمة الولايات المتحدة الأمريكية” وما يصفه بـ”الحلم الأمريكي”، ومواجهة ما يسميه الهيمنة الاقتصادية للصين.
وقال الرئيس الأمريكي -في كلمة خلال انعقاد القمة الخليجية الأمريكية- إن “الولايات المتحدة تبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع”، مشددا على أن قراره برفع العقوبات عن سوريا كان لمنح البلاد فرصة جديدة.
وفي بيان، وصفت وزارة الخارجية السورية اللقاء الذي جمع ترامب والشرع بـ”التاريخي”، قائلة إنه تم التأكيد خلال اللقاء على أهمية رفع العقوبات عن سوريا ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.
وأضافت أن ولي العهد السعودي شدد على ضرورة رفع العقوبات لتحقيق الاستقرار في المنطقة، في حين أكد ترامب التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سوريا في هذه المرحلة المفصلية.