خلف غياب قضايا مغاربة العالم عن أشغال المجلس الوزاري الأخير استياءً في أوساط الجالية المغربية وتنظيماتهم.
وكانت الأنظار تتجه إلى نفض الغبار عن العديد من الملفات وإخراج المؤسسات المعنية بمغاربة العالم من حالة الجمود، وتفعيل وتنزيل مجموعة من التوجيهات الملكية، التي ما فتئ الملك محمد السادس يذكر بها منذ 2004.
ويذكر أن المؤسسات التي أنيط بها تمثيل ومتابعة قضايا مغاربة العالم، إما تعيش حالة جمود أو لم ترى النور بعد، مما يعاكس الدينامية التي تعرفها الجالية المغربية، سواء على مستوى مساهمتها في تنشيط الاقتصاد الوطني، أو إسهامتها الثقافية والمعرفية والاجتماعية.
ولا يستبعد جمال الدين ريان، رئيس حركة المغاربة الديمقراطيين بالخارج، أن الحكومة ربما “تواجه ضغوطًا من أحزاب سياسية أو جماعات ضغط، لذلك، تفضل عدم مناقشة قضايا الهجرة في الوقت الحالي”.
من جانبه، قال، صلاح الدين المانوزي، منسق “المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية”، “كان أملنا ان يتم التطرق في الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري إلى قضايا الجالية، وإلى تنزيل التوجيهات الملكية الواضحة التى تضمنها خطاب 6 نوفمبر 2024، لكن، للأسف لم يتم ذلك”. و يضيف أن عبارات مثل “الجدية والسرعة اللازمتين لتنزيل الرؤية الملكية التي وردت في بلاغ المجلس الحكومي ليوم 7 نوفمبر 2024″، ظلت حبرا على ورق و”مجرد كلمات جميلة ستسلتزم وقتا طويلا من الحكومة لترجمتها إلى أرض الواقع”.
من جهته، يرى جمال الدين ريان، في تصريح لموقع “سفيركم” أن الحكومة “لا تتوفر على استراتيجية واضحة اتجاه قضايا الهجرة، مما يجعلها تتجنب مناقشتها وإغفالها”.
وضعية الجمود التي تعرفها المؤسسات التي تعنى بقضايا مغاربة العالم، تطال كل من “مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج”، التي لم تجدد مجلسها الإداري منذ عقود طويلة، كما أن كاتبها العام تجاوز سن التقاعد. إضافة إلى انتهاء ولاية “مجلس الجالية المغربية بالخارج” منذ 2011، والذي لم يتم تنصيبه إلى الآن، ناهيك عن عدم تنزيل القانىن المنظم للمجلس. وضعية الجمود التي يعرفها المجلس طالت حتى أعضائه، لدرجة أن من بين 50 عضوا جرى تعيينهم عند إنشاء المجلس سنة 2007، لم يعد المجلس عمليا يضم سوى 37 عضوا.
إلى جانب كل هذا، مازلت “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين في الخارج”، التي أعلن عنها الملك في خطاب المسيرة في نونبر الماضي، لم ترى النور بعد، ولا يعرف تاريخ إخراجها إلى حيز الوجود.
حول وضعية الجمود هاته، يرى صلاح الدين المانوزي، في تصريح لموقع “سفيركم”، “إننا نعيش هدرا للزمن المغربي تقاس فيه الأمور بتبخيس للتحديات والرهانات المرتبطة بالبعد الاستراتيجي لقضايا مغاربة المغاربة”. ويشرح المانوزي قائلا”: التشكيك في نوايا النخبة الحكومية الحالية مشروع عندما نستحضر خطاب 20 غشت 2022 الذي أكد فيه جلالة الملك ان الوقت قد حان للتفاعل مع انتظارات الجالية، وخطاب 6 نوفمبر 2024 الذي تم التأكيد فيه على ضرورة الاسراع بإعادة هيكلة مجلس الجالية وتأسيس المؤسسة المحمدية للمغاربة القاطنين بالخارج”.
من جانبه، يرى الباحث ومنسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، الأستاذ عبدالفتاح الزين، إن تأخر إخراج المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج إلى حيز الوجود، يعود إلى “لمسألة تعتبر على مستوى المغرب الرسمي ذات أهمية وحساسية، خاصة وأن إعلان إنشاء هذه المؤسسة جاء في خطاب ثورة الملك والشعب مقرونا بقضية الوحدة الترابية للمملكة التي يقيم فيها المغرب علاقاته الدولية بمنظارها”.
ويقول الأستاذ عبدالفتاح الزبن إن أن تأجيل تناول مشروع المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج “يأتي في سياق انتظار إجراء الانتخابات المقبلة، ومعرفة حضور المهاجرين فيها وتمثيليتهم في البرلمان ودور الأحزاب في استقطابهم، بالإضافة إلى تعيين الحكومة الجديدة …ناهيك عن النظر في تجربة الحكومة الحالية؛ إذ يتميز بالمغرب بالمقاربة التجريبية البراغماتية الرصينة، وحتى لا يعالج ملف مغاربة العالم في سياق انتخابي يعاب على الآخرين فيه إقحام موضوع الهجرة في الاستقطاب السياسي والوعود الانتخابية”.
ويعتقد الأستاذ عبدالفتاح الزين أن المناقشة والتحضير جاريين لقوانين المؤسسة المحمدية التي أعلن عنها ملك المغرب، وأن هيكلة المجلس الاستشاري للجالية المغربية بالخارج قيد التحضير، لكن يستدرك قائلا أن “هناك غموض في آلية التحضير وصمت للحكومة والبرلمان”. ويشير إلى أن هناك مبادرة للمجتمع المدني من مغاربة العالم تشتغل حول الموضوع “عبر تجمع لبعض المهاجرين لمواكبة المقترح الملكي والتذكير بحضورهم في الساحة وذلك في بناء آفاق مشروع الحكامة المتعلق بالهجرة كملف سيادي ومؤسسة [قد] تكون دستورية”.
ويلاحظ الباحث أن عمل هذه المؤسسات المعنية بالهجرة وإن كان متداخلا فإن مجالاته محددة قانونا، مصيفا “لكن التعريف بها يظل ناقصا لا يساعد على فهم واضح لاختصاصاتها ويؤثر على الولوج الجيد لخدماتها”.
ورغم إقراره بأن القوانين المنظمة لبعض المؤسسات المذكورة “لم تحترم من حيث التمثيلية، ومدد الانتداب بل وحتى دينامية التدبير والحضور في الساحة لأسباب مختلفة، يظل تفسيرها قائما على التأويل في غياب معطيات واضحة وبلاغات صريحة”. فإن عبدالفتاح الزين يعتقد أن المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج “قد تتولى بعض الاختصاصات المتعلقة بالسياسات العمومية وخاصة على مستوى وضعها ومتابعة أجرأتها، بل وكذلك ستكون حلا لتمثيلية مغاربة العالم في المؤسسات التمثيلية لضمور الأدوار التي كانت تضطلع بها الأحزاب المغربية في تأطير مغاربة العالم، وكذلك لمشاركة تقوم على مشروعية الانتماء الوطني وليس الإيديوثقافي مع حضور صوت هؤلاء الذين يقومون بتحويلات مادية خ لها وزن في التنمية البشرية”.