في ظل التمييز والتحريض على الكراهية والممارسات العنيفة التي أصبح العالم يشهدها، حرص المغرب على غرار باقي دول العالم على المصادقة على معظم الاتفاقيات التي تعنى بحماية حقوق الإنسان، المتجهة إلى تجريم جميع الأشكال والأفعال أو الأقوال التي تؤدي إلى التمييز أو نشر الكراهية بين الأشخاص بغض النظر عن أساس هذا التمييز، وذلك في ظل الانتشار المتزايد لهذه الظاهرة التي باتت تهدد العالم في أمنه واستقراره، وما خلفته من أعمال العنف التي اتخذها مرتكبو هذه الجرائم نهجا وسبيلا للتعبير عن فكرهم بحجة ممارستهم لحقهم في الحرية والتعبير عن الرأي.
في هذا السياق قال المحامي بهيئة طنجة محمد بلفقيه في تصريح لسفيركم، إن الدولة المغربية أولت عناية خاصة للمبادرات والجهود الدولية المتعلقة بمكافحة التحريض على الكراهية والتمييز ونبذ العنصرية بكل أشكالها، وإلى مصادقة المملكة المغربية على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وانخراطها في أربعة بروتوكولات اختيارية ملحقة باتفاقيات أخرى أساسية، تتعلق بقضايا الطفولة والتعذيب والحقوق المدنية والسياسية والمرأة، فضلا عن الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات لمنظمة العمل الدولية، واتفاقيات اليونسكو لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي.
وأوضح بلفقيه هذه الآليات التشريعية في نقطتين أساسيتين أولها سياق التنزيل الدستوري لمناهضة الكراهية والتمييز ، حيث أشار إلى أن ” دستور 2011 عكس مسار البناء الحقوقي الحديث والانخراط الكلي في دسترة الحقوق الأساسية، وذلك بغية النهوض بثقافة حقوق الإنسان، ويأتي ذلك من خلال سعي الدستور إلى إشاعة قيم المساواة وعدم التمييز ومكافحة خطاب الكراهية والتعددية”. مشيرا إلى أن ذلك تجسد في ديباجة الدستور حيث نص على “منع ومكافحة كل تمييز ضد أي شخص بسبب الجنس أو اللون أو المعتقدات أو الثقافة أو الأصل الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي ظرف شخصي”.
وواصل على أن هذا التعهد الذي كرس في شكل التزام دستوري صريح بمقتضى الفصل 23 الذي ينص على أنه “يُحظَر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف”.
وأكد المحامي بأن ذلك أتي في سياق مواصلة إعمال التزامات المغرب الدولية بمجال حقوق الإنسان عبر إطلاق أوراش إصلاحية استراتيجية، انطلاقا من تنفيذ مضامين الدستور المغربي لسنة 2011، الذي كرس المزيج المتناغم لروافد الهوية الوطنية مع القيم الكونية، وفي مقدمته “حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، وإقرار المساواة بين المواطنين المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب، فضلا عن إحداث مؤسسات وطنية تعنى بحقوق الإنسان والتقنين والحكامة والتنمية، ومنها ما يختص بقضايا التعدد الثقافي واللغوي والتسامح الديني، وبالمساواة والمناصفة وعدم التمييز، إضافة إلى التكريس الدستوري لقواعد التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي”.
وأبرز أن كل ذلك جاء في إطار تشجيع اعتماد المملكة المغربية لسياسة ثقافية جديدة ومندمجة تروم تثمين الرصيد الثقافي الوطني المادي واللامادي، وتشجيع الإنتاج الثقافي التعددي، من خلال تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وترسيخ إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
وأضاف أن “القرار الملكي السامي بإقرار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة رسمية في المغرب والذي اتخذت الحكومة التدابير اللازمة لتطبيقه، يشكل مبادرة نوعية تترجم العناية البالغة التي توليها بلادنا لهذا الورش الوطني”.
أما النقطة الثانية حددها المتحدث ذاته في مقومات البنية التشريعية المغربية ودورها في مكافحة الكراهية والتمييز،إذ عرفت المنظومة التشريعية المغربية تطورا على مستوى سن مجموعة من النصوص القانونية في إطار المراجعة التشريعية من أجل مأسسة الوعاء القانوني الكفيل في خلق بنية قانونية زجرية تحد من الكراهية والتمييز وتكافحهما، حسب ذات الخبير .
ووفق بلفقيه فقد سعى المغرب إلى دعم إطاره القانوني من خلال اعتماد القوانين رقم 103.13 ورقم 73-15 ورقم 24.03، ورقم 03.03 المتممة والمكملة لبعض مواد القانون الجنائي، والتي تهدف إلى توحيد وإصلاح الإطار القانوني فيما يتعلق بجرائم معينة، بما في ذلك التحريض على الكراهية والتمييز العنصري، فضلا عن تعزيز ترسانته القانونية ذات الصلة بمجال الإعلام وكذا التحريض على العنف والإشادة بجرائم الإرهاب.
وتابع في الإطار نفسه إلى أن المشرع الجنائي المغربي عمد إلى تحديد معالم جريمة التمييز في الفصل 431.1 من القانون الجنائي، حيث عرف التمييز بأنه “كل تفرقة بين الأفراد أو الأشخاص المعنوية بناءًعلى العرق أو الدين أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الرأي السياسي، وغيرها من الفروقات” مستطردا :” إلا أن النص القانوني لم يحدد بشكل واضح جريمة الكراهية، حيث تناولها بشكل غير مفصل”، أحيانا مع التمييز وأحيانا كمظهر من مظاهر العنف..
وبالنسبة للعقوبات، فقد حدد القانون الجنائي في الفصل 431.5 العقوبة من شهر إلى سنة، مع تشديد العقوبة إلى سنتين في حالة التحريض على الكراهية.
ورأى المحامي بلفقيه بأنه رغم التقدم في تجريم التمييز، إلا أن غياب تعريف دقيق لجريمة الكراهية جعل القضاء المغربي يلجأ إلى المعايير الدولية في تكييف القضايا المتعلقة بالتمييز والكراهية، ففي سابقة قضائية مهمة، اعتمدت المحكمة الابتدائية في بني ملال على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وفسرت مفهومي “الكراهية” و”التحريض” بناء على المعايير الدولية، مما شكل تطبيقا نادرا لقضايا التحريض على التمييز والكراهية في القانون المغربي.
وختم بلفقيه تصريحه بأنه وبالرغم من تقدم القانون الجنائي في تجريم مختلف أشكال العنف والميز والكراهية المؤدية لهما، وكذا التحريض على العنف والإشادة بأخطر جرائم الإرهاب فإنه “يظل في حاجة إلى المراجعة قصد تحديثه وملاءمته مع مختلف التطورات المجتمعية والمواثيق الدولية ذات الصلة والفكر الجنائي المعاصر والمستجدات التشريعية، مع الحرص على توحيد المصطلحات الجنائية بشأن أشكال الكراهية والميز المدانة” وذلك على أساس التعريفات المتطورة دوليا، مع الحرص على تناسق مجموعة القانون الجنائي مع التشريعات الأخرى ذات المقتضيات الجنائية المطلوب مراجعتها في هذا الاتجاه.