معركة المحامين وسؤال التمييز بين الضرر التكتيكي والأضرار الاستراتيجية

ذ.مصطفى المانوزي

عمد بعض المحامين إلى اعتبار قرار جمعية هيئات المحامين بالمغرب بالتوقف عن العمل في المحاكم   قرارا باطلا؛ لأنه يضر بمصالح الموكلين وحقوق المتقاضين، وعلى هامش الردود و السجالات التي قد تؤشر للتردد الحاصل في الصفوف مما يبرز تداعيات و مؤشرات تدفع إلى تثبيط العزائم، ومن أجل رد الاعتبار للقرار الذي تبنته جميع هيئات المحامين، ولأجل توضيح الأمر للرأي العام بادر الأستاذ مصطفى المنوزي ، محام بهيئة الدارالبيضاء ورئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي إلى صياغة مقال توصل الموقع بنسخة منه .

حقا إن سبب وجودنا ( كمهنيين ) هو الدفاع وتحصين حقوق المواطنين  المتاقضين خاصة ، والموكلين خصوصا ؛ ونحن مضطرون لمواجهة حرب الإجهاز على الحقوق المكتسبة وانتهاكات الدستور الجديد ( وهو أرقى وافضل دساتير المغرب  في باب الحقوق والحريات واستقلالية السلطة القضائية وغيرها ) وهي معركة تنتمي للزمن السياسي العابر وليس للزمن الاجتماعي المستغرق له ، استراتيجيا وحيويا ؛  نؤكد بأنها معركة ( وقتية )  مفروضة على الجسم المهني والذي تمثله جمعية هيئات المحامين بالمغرب ، وهي إطار وطني تم تأسيسه لتوحيد إرادات مجالس هيئات المحامين على الصعيد ؛ كتعبيرات تم انتخابها ديموقراطيا ضمن عمليات اقتراع غير مطعون فيها لا قانونيا ولا قضائيا ولا ” سياسيا ” حتى !

ولأنها مفروضة علينا من أعلى ( وأحيانا من أسفل ( ذاتيا ) أو من قبل بعض مكونات أسرتنا المسماة ” منظومة العدالة ” ؛  فإنه مطلوب منا أن  نؤسس لمعركتنا  ضمن قواعد النضال الشامل  ، والذي يقتضي اعتماد خطوط تكتيكية متناغمة ( حتى لا نكون إطلاقيين بالقول بالتطابق ) ، ومنسجمة مع الخيار الاستراتيجي الذي يستغرق كل الخطوات التكتيكية ؛ فبغض النظر أنه لا يكفي ادعاء بطلان قرار المؤسسة المهنية بل لابد من تقديم دعوى إبطاله قضائيا ، وبنفس القدر والقوة لا يمكن مخالفة أوامر النقباء ومجالس الهيئات فذلك أكبر تواطؤ ضد المهنة حيث لا دفع ولا ادعاء دون مصلحة في الحالتين معا ، ولأن مصلحة كل ” زبون  ” تعاقد معه المحامي  قد تتضرر بسبب تفعيل قرار مؤقت صادر لمدة محددة في الزمن والمكان ، مع احتمال قوي بإمكانية التدارك والإستدراك لاحقا ومن خلال درجات ومستويات التقاضي والتي يضمنها القانون الحالي أو  الجاري لا فرق ؛  في حين لو سلمنا أنفسنا للقدرية ( المصلحية ) والتي تؤججها ما يمكن أن نصطلح عليه بالجبرية السياسية المؤطرة لكل الآليات التشريعية  الإذعانية ؛ فنكون  أمام ضرر استراتيجي دائم ومستدام حيث مصلحة المواطنين عامة (  وليس فقط المتقاضين ) قد تنعدم  ( ولا تتضرر فقط  ) وبالتالي يصعب أويستحيل  جبرها بالتمام   !

لذلك فالمعركة تكتيكية في مواجهة أضرار بنيوية مهيكلة لكل إعدام للأمن القانوني  المؤطر لأي أمن قضائي  ، فحذار أن تطوقنا بعض النزعات المصلحية التي تعتمد شعار  الحق والذي تقتضي المصلحة المشروعة والعليا ألا يتم التعسف في استعماله لغايات تكتيكية غير استراتيجية ، وبالنسبة للذين يتذرعون بالقانون ، كما حصل خلال معركتنا المقدسة ضد جواز التلقيح ، والتي حان وقت تقييم إيجابياتها وتداعيات الثمينة في العلاقة مع الحق في الصحة والحق في الحياة  ؛ فإن القانون نفسه لا يجوز  التعسف في استعماله أو تأويله وتطبيقه  ؛ و هل يعقل ترجيح التكتيك على الاستراتيجية كما تقدم الفرع على الأصل ؟ إننا في آخر التحليل نمارس حقنا في البقاء في ظل مبادرات تشريعية تروم تبخيس الحق في المشاركة في الحياة العامة أو الفئوية الخاصة لا فرق !

-ملحوظة لا علاقة لها بمضمون المقال :

ذكرتني الوقائع اعلاه بمأثورة كان يرددها والدي رحمه الله ؛ حيث كان يؤكد لي بأنه لو اتبع المقاومون ما كان يروجه بعض السياسيين بأن فرنسا ليست استعمارا، وانما هي مجرد دولة مكلفة بتنفيذ مقتضيات عقد الحماية والذي وقعه السلطان حفيظ ، لما استقل  الوطن  ( رغم عدم اكتمال مطلب التحرر ) .

*رئيس أكاديمية الحكامة التشريعية والأمن القضائي

تعليقات( 0 )