في أفق احتضان كأس العالم 2030، الذي سينظم بشكل مشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، يدخل ملف الموانئ المغربية مرحلة دقيقة وحاسمة، باعتباره أحد الأعمدة غير المرئية لكن الجوهرية لنجاح هذا الحدث العالمي.
فنجاح المونديال لا يقاس فقط بجاهزية الملاعب والبنيات الفندقية، بل كذلك بقدرة الدول المنظمة على تدبير تدفقات بشرية ولوجستية ضخمة، وضمان سلاسة التنقل، وسلامة السلع والأشخاص، وجودة الخدمات في مختلف نقاط العبور، وعلى رأسها الموانئ.
في هذا السياق، شرعت الوكالة الوطنية للموانئ في مواكبة استراتيجية مع مكتب الخبرة والاستشارة الألماني Roland Berger، من أجل دراسة وتنزيل متطلبات اتفاقية فيفا الخاصة بالموانئ في أفق 2030.
وهي خطوة تعكس إدراكا مؤسساتيا بأن الرهان لم يعد محصورا في تطوير البنية التحتية الصلبة فقط، بل في ملاءمة المنظومات القانونية والتنظيمية والعملياتية مع معايير دولية صارمة تفرضها تظاهرة من حجم كأس العالم.
وتشمل هذه المواكبة عددا من الموانئ ذات الأهمية الاستراتيجية، من بينها طنجة، والناظور بني نصار، وميناء الناظور غرب المتوسط، والسعيدية، والدار البيضاء، وأكادير.
وهي موانئ تختلف في وظائفها وأحجامها، لكنها تلتقي في كونها مرشحة لاستقبال تدفقات استثنائية من المشجعين، والبعثات الرسمية، والمعدات اللوجستية، والسلع المرتبطة بالتنظيم، خاصة خلال فترات الذروة التي ستعرف ضغطا غير مسبوق على سلاسل العبور.
وتكمن خلفية هذا الورش في كون اتفاقية فيفا للموانئ لا تقتصر على الجوانب التقنية المرتبطة بالأرصفة أو طاقة الاستيعاب، بل تمتد إلى منظومة متكاملة تشمل السلامة والأمن، وإمكانية الولوج للأشخاص في وضعية إعاقة، وجودة تجربة المشجع منذ لحظة وصوله، إضافة إلى متطلبات صارمة مرتبطة بالعلامة التجارية للبطولة، واحترام الهوية البصرية والاتصالية للفيفا داخل الفضاءات المينائية، فضلا عن الامتثال اللوجستي الذي يضمن سرعة التخليص، ووضوح المساطر، وتناسق التدخل بين مختلف المتدخلين.
وتزداد أهمية هذا التحدي بالنظر إلى الطابع الثلاثي لتنظيم مونديال 2030، الذي يفرض تنسيقا عالي المستوى بين الموانئ المغربية ونظيراتها الإسبانية والبرتغالية.
فالمشجعون والوفود قد يتنقلون بحرا بين الضفتين، ما يستدعي توحيد المعايير، وتبادل المعطيات، وضمان انسيابية العبور دون تعقيدات إدارية أو اختناقات تنظيمية، قد تؤثر سلبا على صورة الدول المنظمة.
من جهة أخرى، يندرج هذا الورش ضمن رؤية أوسع لتحديث الحكامة المينائية بالمغرب. فالمونديال يشكل، في هذا الإطار، رافعة لتسريع إصلاحات كانت مطروحة أصلا، لكنها تكتسب اليوم طابعا استعجاليا، من قبيل رقمنة المساطر، وتعزيز التنسيق بين السلطات المينائية والأمنية والجمركية، ورفع مستوى التكوين لدى الموارد البشرية، واعتماد سيناريوهات تدبير الأزمات والطوارئ، سواء المرتبطة بالاكتظاظ أو بالسلامة أو بالظروف المناخية.
ولا يخفى أن اختيار مكتب Roland Berger لمواكبة هذا المسار يعكس رغبة في الاستفادة من خبرة دولية راكمت تجارب في مواكبة أحداث كبرى ومشاريع بنيوية معقدة، حيث لا يتعلق الأمر فقط بإعداد تقارير تشخيصية، بل ببناء خارطة طريق عملية، قابلة للتنزيل، ومتناغمة مع السياق المغربي، ومع الإكراهات الزمنية والمالية والتنظيمية.

