يقال: “لو أردت صنع أغنية جميلة يجب أن تعزف النغمات البيضاء والسوداء معا وتكتب كلمات تتراقص على لحن الخواطر”, وفنان اليوم ينظم كلمات بمجرد سماعها تتعاظم فيك الحياة، فتارة ما يغني للحب وتارة أخرى يغني للحرب، وكثيرا ما تغنى بثقافته المحلية وموروث بلده الإنساني، ليجسد بذلك رحلة غنائية متفردة تنهل من الأنثروبولوجيا وتعكس حبا لمدن أخذ على عاتقه أن ينفض عنها غبار التهميش.
والحديث هنا عن نعمان لحلو، فنان تكتنز روحه شخصيات عديدة، فمن المغني إلى المؤلف ومن الملحن إلى الباحث وحتى المثقف الموسوعاتي، الذي يغني لغنى وتنوع بلاده، ويحذر من الحروب المستقبلية، ويتشبث بمواقف وقناعات لا تتزحزح.
وشاءت رغبة القدر في أن تدخله عالم الفن، فأرسل له غيتارة كهدية من شخص ما، ومن هناك بدأ حب الفن يتوغل في أعماقه، ليقرر في العاشرة من عمره أن يلتحق بالمعهد الموسيقي في مدينة فاس، وبعدها ساقته الأقدار إلى الولايات المتحدة حيث كان يغني في الرواق المغربي بوولت ديزني، ومن هناك إلى مصر حيث اعتمد كمطرب وملحن في الإذاعة والتلفزيون وكذا دار الأوبرا.
وبعد أن سار وجال وتعرف على مختلف مشارب الفن، قرر أن يعود إلى وطنه ليستثمر ما تعلمه فيه، وينتج أغان ستجعله يوما ما رائدا من رواد الأغنية المغربية، ويتيح لأغانيه أن تصبح مصدرا فنيا وتاريخيا يؤرخ للثقافة المتنوعة والتاريخ المتجذر لهذا البلد عبر مجموعة من المدن.
حوار خاص.. نعمان لحلو يدخل على خط قضية الأساتذة/لطيفة رأفت/ بطمة ولمجرد/حكومة أخنوش
وفي حوار مع موقع “سفيركم”، قال الفنان نعمان لحلو، حين سئل عن سبب طغيان الجانب الانثروبولوجي في أعماله: “حقيقة هذا هو أصعب ما في الأمر، فمثلا أصدرت أغان عن مجموعة من المدن وتناولت الأنتروبولوجيا، لأن الناس والقبائل والعادات والتقاليد والأسوار، يجب أن يتم دراستها بشكل معمق، وبعدها تأتي أصعب مرحلة وهي كيفية تحويلها إلى لغة فنية عميقة وبسيطة، وبالنسبة لي النص مهم جدا. بعدها أمر لمرحلة الموسيقى، ها هو اللحن موجود، لكم كيف ستقوم بتأثيثه، هل يكفي فقط أن تقوم بعمل جميل؟، لا من المهم أيضا أن تقدم ماهو جديد، فإن لم يحضر في أعمالك عنصر الجدة، فأنت تكرر فقط ما فعله الآخرون وتسرق أضواءهم”.
وكان نعمان لحلو قد باح لموقع “سفيركم” بحبه العميق لمدينة فاس، التي يعتبرها ملكا للإنسانية، ومكانا يغير شخصية من يحل بها فيجعلها أنقى وأسمى، ولا يخفي حقيقة أنه شخص روحاني ويؤمن جدا بالروح، حيث قال: “أنا روحاني بنسبة 80 في المائة بيني وبين نفسي، و20 في المائة المتبقية على حساب المخاطب الذي أحادثه، وعقلاني في نفس الوقت”.
وما تزال شيم طفولته لصيقة به إلى حدود الآن، خاصة وأن العزلة التي كان يهرع إليها في صغره، حين كان يصنع خيمة بالفراش ليختلي بنفسه، ما زال يحبها، وقال: “أنا إنسان أحب العزلة، فحتى حين كنت صغيرا؛ خمس أو ست سنوات، عندما ألعب كنت أصنع خيمة صغيرة حتى أختلي بنفسي، وأصنع جلسة بالشاي أو أقرأ كتابا، ولا زلت هكذا أحب الاختلاء”.
وتابع قائلا: “لذا أسافر أحب أن أستكشف مناطق طبيعية، وهذا أمر روحاني جداً، كما أنني أحترم الأديان كيفما كانت، كثيرا ما أذهب إلى آسيا، وأجدهم يعبدون بوذا، أحترمهم رغم أنها ليست قناعاتي ولكن الأهم هو الاحترام التام، ليس لدي أي مشكل أن أدخل الكنيسة، أنا إنسان مسلم، أحب كل شيء جميل، وبالنسبة لي كل شيء جميل هو كل شيء متفرد لا يشبه أي شيء آخر، أحب كل شيء صغير، الأطفال الصغار الحيوانات الصغيرة، وأنا صديق الحيوانات وحتى تلك المفترسة” .
ويعتبر نعمان لحلو نفسه رجل مبادئ، فكثيرا ما زجت به مبادؤه ومواقفه الثابتة في متاهات أو بالأحرى في اللائحة السوداء، خاصة حين تتعلق هذه المواقف ببلد كالجزائر وإسرائيل، وقال في هذا الصدد: “عندما تكون إحدى البلدان ضد بلدك، فلا يمكنك إلا أن تكون ضدها”.
ويعتبر نعمان لحلو أن سلاح كل مغربي ومغربية في وجه الحروب القادمة هو ثقافته وحضارته، خاصة وأن الحروب المستقبلية ستكون بحسبه حروبا حضارية، حيث قال في حديثه مع موقعنا: “واليوم وصلت إلى قناعة يجب أن أتقاسمها معك؛ فأنت وأنتِ أيها المغربي وأيتها المغربية، تنتمون إلى حضارة متفردة بدأ وقتها الآن، وبدأ الناس يتعرفون عليها، مثل جوهرة كانت مخفية وبدأت في الظهور، وفي نظري المتفرد هو لا تحاولوا تقليد الآخرين لا في الفكر ولا في الثقافة، لأن للمغاربة حضارتهم وسينجحون وستأتي أجيال أخرى، ابقوا متشبثين بثقافتكم فالحروب القادمة هي حروب حضارية”.
وبهذا يبقى نعمان لحلو، فنانا من بين آلاف الفنانين المغاربة من أبناء هذا الوطن البررة، الذين سخروا فنهم المتفرد وهويتهم الأصيلة للتغني بمملكة ضاربة ومتجذرة في عمق التاريخ والمستقبل، ليكتبوا صفحة من صفحات مجلد بلدٍ يسير صوب إنجازات عظيمة.
تعليقات( 0 )