أفاد الخبير الاستراتيجي في الشؤون السياسية، هشام معتضد، في تصريح خص به موقع “سفيركم” الالكتروني أن منطق الإقصاء الإداري المباشر لم يعد من أدوات الدولة الحديثة في إدارة المشهد الانتخابي بالمغرب، مشيرا إلى أن هندسة التوازن السياسي اليوم تمر عبر ضبط إيقاع النخب بدل حذفها من المعادلة.
وأوضح معتضد أن الدولة، حين تعتبر بعض الأسماء عبئا على منطق التجديد أو على صورة المؤسسات، فإنها لا تقصيها بالقوة، بل تضعف قدرتها على الاستمرار، من خلال إعادة رسم خرائط الدعم المحلي والرمزي، مشددا على أن الدولة تدير التحول السياسي بـ”نفس طويل”، وفق ما سماه بـ”التصفية الهادئة لا القطيعة العنيفة”.
وأردف المتحدث ذاته أن الذين انتهى دورهم يعرفون ذلك دون أن يقال لهم، أن هناك نظام إشارات دقيقا توجهه الدولة لمن تجاوزتهم المرحلة،معتبرا أن المجال يغلق تدريجيا أمام هؤلاء من دون لوائح منع، بل عبر رسائل مبكرة يفهمها البعض فينسحب بهدوء، بينما يكتشف آخرون أن الأرض السياسية انسحبت من تحتهم دون ضجيج.
وفي معرض حديثه عن الجهة التي تدير الانتخابات فعليا، أكد معتضد أن العملية تدار عبر تقاسم دقيق للأدوار بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، موضحا أن وزارة الداخلية تمسك بـ”البنية التحتية للشرعية” من حيث الأمن والتنظيم والنزاهة التقنية، بينما تمسك الأحزاب بـ”المعنى السياسي” من خلال الخطاب والترشيحات والتعبئة.
وأبرز الخبير أن عقل الدولة المغربي بني منذ عقود على هذا التوازن، لأن ترك العملية الانتخابية بالكامل للأحزاب قد يهدد الاستقرار، بينما احتكارها من طرف الإدارة يفرغها من المضمون السياسي،مشيرا إلى أن هذا التنسيق الدقيق يسمح بتدبير الانتخابات بشكل مشترك تضبط فيه الخيوط دون أن تشد أكثر مما يلزم.
وأضاف معتضد أن القاعدة غير المكتوبة التي يعرفها الفاعلون السياسيون هي أن “الداخلية لا تصنع الفائزين، لكنها تمنع الكوارث”، في إشارة إلى أن تدخلها يتم فقط عندما يتجاوز المشهد حدوده أو حين تهدد الفوضى التوازن العام، مؤكدا أن دورها يشبه دور الحكم في مباراة حساسة لا يسجل الأهداف، لكنه يعرف متى يطلق الصافرة.
وفي ما يتعلق باستعمال المال خلال الانتخابات، قال معتضد أن الظاهرة ليست مغربية فقط، بل معضلة عالمية تواجه مختلف الأنظمة الديمقراطية،موضحا أن المقاربة المغربية تقوم على تطويق المنافذ بدل رفع الشعارات، حيث أن الرقابة الفعالة تتطلب شجاعة قضائية وإرادة تنفيذية تفرض المساءلة السريعة، لأن الردع الحقيقي مرتبط بتوقيت القرار أكثر من شدته.
وشدد الخبير على ضرورة جعل كلفة الفساد الانتخابي أكبر من مكاسبه، عبر تشديد المراقبة المصرفية وربط التمويل العمومي بالشفافية وتفعيل الرقابة الرقمية خلال الفترة الانتخابية ،في حين أن الدولة تعتمد مقاربة “التحكم لا المنع، والتوجيه لا المواجهة”، معتبرا أن هدفها ليس تنظيم انتخابات مثالية، بل انتخابات منضبطة ومفهومة تدار فيها القوة المالية ضمن حدود لا تهدد الشرعية العامة.
وفي رده على سؤال حول ضعف المشاركة الانتخابية، اعتبر معتضد أن انخفاض نسب التصويت لا يعني غياب الشرعية السياسية، مبرزا أن الشرعية في المغرب بنيوية وليست رقمية، وتستمد أساسا من الثقة في الملكية والاستقرار والنتائج الملموسة، غير أنه اعتبر أن ضعف المشاركة مؤشر مقلق، لأنه يضعف الوساطة الحزبية ويزيد العبء على المؤسسة الملكية لتظل مصدر المعنى السياسي الوحيد، قائلا: «المغاربة لا يقاطعون لأنهم ضد الدولة، بل لأنهم لا يرون فائدة من اللعبة.. المواطن المغربي يشارك عندما يشعر أن صوته يساوي شيئا».
ودعا معتضد إلى ربط السياسة بالنتائج اليومية والخدمات الملموسة، معتبرا أن استعادة الثقة لا تتطلب تعبئة عاطفية، بل إقناعا عمليا يلمسه المواطن في حياته اليومية ، نظرا أنه أقر بأن الانتخابات المغربية أصبحت جزئيا منافسة بين الأعيان والنفوذ والمال، نتيجة الفراغ التنظيمي وتراجع الإطار الإيديولوجي، مشيرا إلى أن الدولة لا تعتبر هذا الوضع كارثة، بل مرحلة انتقالية تبقي التوازنات قائمة، مع ضرورة تحويل الأعيان من فاعلين انتخابيين إلى وسطاء تنمية.
وكشف معتضد أن القاعدة غير المعلنة في الكواليس السياسية هي أن «الدولة لا تحارب الأعيان، بل تحارب من ينسى أنه أعيان بفضل الدولة» ،مضيفا أن النفوذ مقبول ما دام مندمجا في منطق الدولة، لا متغولا عليه، بحيث أن الولاء مقابل الاستمرار، والتجاوز يقابله التهميش الصامت.
وفي هذا الصدد، ختم معتضد حديثه لـ” سفيركم”، بالتشديد على أن تطابق برامج الأحزاب مع التوجهات الملكية ليس إشكالا ديمقراطيا، بل خصوصية للنظام السياسي المغربي، قائلا: “إن الملك يرسم الاتجاهات الكبرى، فيما تتنافس الأحزاب على الكيفية والوتيرة والابتكار في التنفيذ”، معتبرا أن الديمقراطية المغربية تمارس تحت سقف الاستراتيجية الملكية، حيث تتفاعل التعددية داخل وحدة التوجه الوطني .. وأكد أن الدولة تحتاج إلى أحزاب تترجم الرؤية الملكية إلى برامج عملية، لا إلى أحزاب تصطدم بها، مضيفا أن من يبدع في التنفيذ «يربح شرعية مضاعفة»، بينما من يكتفي بالشعارات «يغيب بهدوء عن المشهد السياسي».