شهدت مدينة آسفي عبر القرون سلسلة من الكوارث الطبيعية المائية، كانت فيضانات وادي الشعبة أبرزها وأكثرها تدميرا، كما وثقها الفقيه الكنوني العبدي في مؤلفاته، مسجلا أثرها العميق على السكان والممتلكات والبنية العمرانية للمدينة.
فقد بقي هذا الوادي، رغم مرور الزمن، مصدر تهديد دائم، إذ كررت السيول اجتياح المدينة كل عدة عقود، مخلفة دمارا واسع النطاق، وما زالت الذاكرة الجماعية للسكان تحتفظ بهذه المآسي كدرس تحذيري للأجيال اللاحقة.
فيضان قبل سنة 1060 هـ / 1650م
ويذكر الكنوني العبدي في رواياته أن فيضانا هائلا اجتاح المدينة، أغرق المنازل والمحلات وجرفت كل ما صادفته في طريقه.
وأدى تدفق المياه إلى حفر وادي عميق امتد من باب الشعبة إلى البحر، ظل قائما لسنوات طويلة، وكان السكان يعبرونه عبر جسر خشبي.
وكانت هذه البداية الأولى لتاريخ طويل من الفياضانات التي أرهقت المدينة وعملت على تشكيل جغرافية حضرية جديدة بفعل السيول.
فيضان 1205 هـ / 1791م
وخلال إحدى ليالي شهر ربيعي، هبت رياح قوية مصحوبة بأمطار غزيرة، ما تسبب في فيضان كبير أغرق المدينة بينما كان السكان نائمين.
ودمر التيار باب الشعبة والمحلات الكبرى، وتلفت البضائع والممتلكات. وأسفر هذا الفيضان عن سقوط أكثر من مائة قتيل من الرجال والنساء، إلى جانب خسائر مادية جسيمة.
وقد وثق الكنوني العبدي هذا الحدث بتفاصيل دقيقة حول الأثر البشري والمادي للكارثة، مؤكدا على شدة التيار ومدى الدمار الذي خلفه.
فيضان 1272 هـ / 1855م
شهدت المدينة في هذا العام هطول أمطار غزيرة امتزجت بمياه البحر، ما دفع السكان إلى استخدام القوارب للتنقل بين شوارع المدينة.

وقد دمرت السيول محلات الحرفيين والتجار، مثل الخزافين وصانعي الأسلحة والإسكافيين والبقالين، وألحقت أضرارا جسيمة بالبضائع والحبوب والأثاث.
وقد ارتبط هذا الفيضان باسم «عيسوط»، نسبة إلى الضحية البشرية الوحيدة، وهي يهودي، ما يعكس حجم الخسائر الإنسانية في مواجهة قوة الطبيعة.
فيضان 1346 هـ / 1927م
أظهر هذا الفيضان مدى استمرار وادي الشعبة كمصدر تهديد دائم. فقد اجتاح تيار قوي المدينة قادمًا من باب الشعبة، واقتلع أبواب المحلات وغمر البيوت المجاورة، ودخلت المياه إلى الجامع الكبير والمدرسة المقابلة وزاوية الناصرية.
وتوفي خلالها أشخاص غرباء عن المدينة، مما أبرز شمولية الكارثة ومدى تأثيرها على سكان المدينة وزوارها على حد سواء.

