من قلب العاصمة الرباط وفي أروقة فندق صومعة حسان بلاص، كان لرواد الفن والدراما المغربية موعد مع حفل توزيع « جوائز الدراما الرمضانية »، الذي نظمته مؤسسة سفيركم الإعلامية، نهاية الأسبوع الماضي، والذي يعد أحد أكثر التظاهرات الفنية اهتماما بالفنان المغربي، انخرطت فيه المؤسسة وعيا من القائمين عليها بمسؤوليتهم في تكريس وتجويد إعلام حقيقي يرفع من قيمة الفنانين، اعتبارا بأنهم لا يرون في الفنّ ترفيها مجتمعيا فقط، أو شيئا ثانويا للتسلية أو “البوز” في المعارض، بل رافعة أساسية لنهضة المجتمع المغربي ورقيه.
وسجل هذا الحفل حضورا لافتا لأزيد من 200 شخص منهم ممثلون، ومغنيون، وإعلاميون، ورياضيون، وديبلوماسيون، ورجال أعمال، إلى جانب شخصيات نجحت في أرض المهجر من مغاربة العالم، وبصمت اسم المغرب بمداد من الفخر، كما تخللته تكريمات لعدد من الفنانين الرواد الذين ساهموا بشكل كبير في بناء وتطوير المشهد الفني المغربي، وآخرين صاعدين بصموا على مشاركات مميزة في الموسم الرمضاني لسنة 2024، علاوة على تتويج مجموعة من الأعمال الدرامية التي تألقت خلال شهر رمضان المبارك.
وفي مقابل هذا الاعتراف والامتنان للفن والفنانين لتشجيعهم على العطاء أكثر، وتحفيزهم على بذل المزيد من الجهود للارتقاء بالفن المغربي، غابت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ولم تعر التظاهرة بعضا من الاهتمام الذي تخصصه لعدد من المحافل والمعارض الثقافية والفنية، رغم توصلها بمراسلة من إدارة الموقع، في الوقت الذي حضرت فيه القنوات الرسمية المغربية والعربية، القناة الأولى، والأمازيغية، وقناة MBC.
وبالرغم من النجاح الكبير الذي حققه الحفل، بشهادة جميع من حضروا فعالياته، إلا أن غياب “وزارة بنسعيد” عن هذه التظاهرة الهامة، يثير تساؤلات حول حقيقة دورها في دعم مثل هذه الفعاليات التي تهدف إلى الارتقاء بالمشهد الدرامي والفني المغربي، وهي التي يفترض فيها أن تكون أول من يدعم مبادرات كهذه، باعتبارها الوصية على قطاع الفن والثقافة بالدرجة الأولى، والجهة الرسمية الأولى التي تنظم مثل هذه الفعاليات، كما أنها المسؤولة عن تعزيز التواصل مع مختلف الجهات المهتمة بالفن والدراما المغربية.
وبعد حفل “سفيركم” الذي نظم في واحد من أفخم الفنادق بمدينة الرباط، بدعم من مؤسسات الخواص والرائدة في السوق المغربية، من قبل علامة “كنز”، و”العربية للطيران”، و”graulet Cédric” و”Naturelle ” وغيرها، انهالت على طاقم الموقع مجموعة من التهاني سواء من قبل الحاضرين أو متتبعي الشأن الثقافي في الخارج والداخل، الذين أشادوا بالمستوى التنظيمي الراقي، وبفكرة التظاهرة غير المسبوقة في المغرب بأكمله، وبخدمة هذا المنبر الإعلامي للفن المغربي والدراما الرمضانية، معتبرين أنه نقطة ضوء تعيد الأمل للدراما المنسية، وتحتفي بالإبداع باعتباره واجهة ثقافية بدأت تتلمس طريقها لتتخطى حدود المملكة وأنها ما عادت تصنف ترفا وترفيها بل رافعة حقيقية للتنمية.
ويحسب للحفل، إلى جانب اهتمامه بالدراما المغربية، أنه كان السباق على المستوى الوطني إلى الاحتفاء بالدراما الأمازيغية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الثقافة والهوية المغربيتين، حيث كانت نسخه السابقة التي نظمتها مديرة النشر والصحافية ابتسام مشكور، من أوائل الفعاليات التي خصصت مساحة مهمة للاعتراف وتكريم الدراما الأمازيغية عبر منح جوائز في صنف أفضل دور نسائي ورجالي، ومخرج أمازيغي، ثم أفضل مسلسل أمازيغي.
وقد ساهم هذا الاهتمام في دفع فعاليات أخرى للاقتداء بنفس الخطوة، وتخصيص حيز للدراما الأمازيغية في بعض التظاهرات والمهرجانات التي تحتفي بالفن المغربي وهذا من الأهداف النبيلة التي تسعى إليها مديرة التظاهرة.
وجرى تكريم الدراما الأمازيغية، عبر تمكينها من أربع جوائز في أربعة أصناف رئيسية، بحيث تم تتويج الممثل سعيد المرسي بجائزة أحسن ممثل عن مسلسل “أفاذار”، كما توجت المثلة الأمازيغية رجاء خرماز بجائزة أحسن ممثلة عن المسلسل “إمطاون زوينين”، كما نال محمد بوزكو جائزة أحسن مخرج عن الفيلم التلفزي “يلّيس ن هولندا”، في الوقت الذي ظفر فيه مصطفى أشاور بجائزة أحسن عمل أمازيغي بسلسلته “بابا علي”.
وبما أن الحفل استضاف وكرم أيقونات الفن المغربي، من بينهم الفنانة نزهة الركراكي نظير مسيرتها الغنية بباقة من الأعمال المميزة التي لا تزال حية في ذاكرة الجمهور المغربي، والفنان عبد الله فركوس الذي قدم أفلاما كوميدية أدخلت لسنوات طويلة البسمة على شفاه المشاهد المغربي وقربته من الأجواء الشعبية لمدينة مراكش، والمخرج هشام الجباري الذي يتحف الخزانة المغربية بأعمال وازنة في كل موسم، والفنانة نورة الصقلي التي تعد من رواد الشاشة المغربية وهي التي تشتغل أستاذة بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، والتي تتلمذ على يدها عشرات المئات من طلبة المسرح، إضافة إلى الموسيقار الكبير نعمان لحلو، الذي جمع بين أربعة مشارب فنية، من الطرب إلى التلحين ومن التأليف إلى البحث الموسيقي الذي أهله لإنتاج أغاني تنهل من تراث المدن، ومن كل هذا أصبح محاضرا في مجموعة من الجامعات العالمية المرموقة، من قبيل جامعة جورج تاون، أكاديمية الفنون ببراغ، وجامعة الأخوين وغيرها.
هذه الطينة من الفنانين لا تحتاج لشيء سوى الاعتراف بما قدمته للمغرب والمغاربة، وتبقى وزارة الشباب والثقافة والتواصل في حاجة ماسة لمثل هذه الكفاءات الفنية لاستثمارها في مشاريع من شأنها أن تساعد في المستقبل على إشعاع الفن والثقافة المغربيين على المستويين الوطني والدولي تماشيا مع التوجه الملكي لمغرب الغد.
تعليقات( 0 )