شكل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ضربة لجبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر، بالنظر إلى مواقف النظام السوري تحت قيادة الأسد التي كانت شبه داعمة لاطروحة الانفصال التي تتبناها البوليساريو، ولا سيما بعد انحياز المغرب للثوار والمعارضة السورية.
وأكدت العديد من التقارير وجود روابط بين البوليساريو والنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وآخرها تقرير صادر عن مركز البحث والتفكير الأمريكي “Atlantic Council” الذي كشف أن سقوط نظام الأسد أظهر وجود علاقة بينه وبين البوليساريو وإيران، من بينها وثيقة عبارة عن مراسلة بين الطرفين تتعلق بتدريب عناصر الجبهة الانفصالية.
كما أن المعارضة السورية كشفت بعد سقوط نظام الأسد عن توقيف عناصر جزائرية وأخرى تابعة للبوليساريو كانت تقاتل إلى جانب نظام الأسد، الأمر الذي يؤكد على الروابط المذكورة.
سقوط نظام الأسد، أعاد بشكل مباشر الروابط بين الرباط ودمشق، خاصة أن المغرب كان داعما للمعارضة السورية التي تتولى الحكم حاليا في البلاد، وهو ما يعني انتهاء الدعم الذي كانت تحظى به البوليساريو من النظام السوري السابق.
الوضع الجديد يفتح الباب أمام علاقات متينة بين المغرب وسوريا، ويُقرب دمشق أكثر من دعم المغرب في قضية الوحدة الترابية، أي قضية الصحراء، خاصة أن هناك العديد من العوامل التي تصب في صالح هذا الأمر، وأبرزها 3 عوامل أساسية.
العامل الأول.. دعم الرباط للثورة
كان المغرب من أوائل البلدان التي اتخذت موقفا واضحا مما يجري في سوريا، وقرر دعم الثورة السورية بعدما تبين للرباط “الإجرام” الذي يرتكبه نظام الأسد في حق السوريين، فأغلقت المملكة المغربية سفارتها في دمشق في سنة 2012، أي بعد شهور من انطلاق الثورة السورية.
ويُعد هذا العامل جد مهم في تمتين العلاقات بين المغرب وسوريا اليوم، حيث أن المعارضة السورية لا يُمكن أن تنسى هذا الدعم والموقف المغربي الذي كان مساندا لها منذ بداية الثورة، وهو ما يدفع العديد من المراقبين حاليا لتوقع نشوء علاقات متينة بين البلدين، تُتوج بدعم سوري علني للوحدة الترابية للمملكة المغربية وسيادة المملكة على الصحراء.
وتضمنت رسالة التهنئة التي بعث بها الملك محمد السادس في الأيام القليلة الماضية إلى أحمد الشرع بعد توليه رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، إشارة ذات رمزية، عندما أكد الملك للشرع على دعم المغرب للوحدة الترابية لسوريا، وهو ما يُفترض أن يكون موقف سوريا مماثلا للمغرب أيضا.
العامل الثاني.. مساندة البوليساريو لنظام الأسد
من العوامل الهامة التي يُتوقع أن تدفع سوريا لتبني موقف داعم للمغرب في قضية الصحراء، هو موقف البوليساريو من الثورة السورية، حيث وقفت الجبهة الانفصالية ضد الثورة وإلى جانب نظام بشار الأسد، وبالتالي في خطوة قد توصف بـ”رد الصفعة”، فإن النظام السوري الجديد يُرتقب أن يتجه إلى دعم المغرب ضد المطالب الانفصالية التي تتبناها جبهة البوليساريو.
وإذا كانت الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، تتبنى إلى حد الآن مواقف دبلوماسية في غاية الحذر، إلا أن هذا الأمر لن يطول بعد أن تستكمل الدولة السورية كافة أركانها، وهي اللحظة التي يُتوقع أن تتخذ فيها دمشق موقفا واضحا وصريحا من البوليساريو.
العامل الثالث.. استقبال المغرب للاجئين السوريين
العامل الثالث الأساسي الذي يجعل سوريا اليوم أقرب إلى المغرب أكثر من أي وقت مضى، هو الموقف الانساني للمملكة المغربية من اللاجئين السوريين، حيث كان المغرب من الدول التي فتحت أبوابها لاستقبال اللاجئين السوريين الذين لم يجدوا أي صعوبة في الاندماج في المجتمع المغربي، ولازال أغلبهم اليوم يُفضل البقاء في المغرب بالرغم من سقوط نظام الأسد.
كما تجدر الإشارة إلى أن نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام بشار الأسد أعاد مؤخرا موقفا إنسانيا بارزا للملك محمد السادس إلى الواجهة، وهو الموقف الذي أظهر فيه العاهل المغربي دعما حقيقيا للشعب السوري في محنته، ويتعلق الأمر بالزيارة التاريخية الي قام بها الملك إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن سنة 2012.
وحرص الملك محمد السادس، خلال تلك الزيارة، على الوقوف إلى جانب اللاجئين السوريين الذين فروا من القمع الدموي للنظام السوري في وقت كان فيه الشعب السوري يعاني ويلات النزوح والتهجير، وقد كانت الزيارة فرصة لإظهار التضامن المغربي مع هؤلاء اللاجئين الذين أجبروا على مغادرة وطنهم بسبب العنف الممارس ضدهم.
هذا الموقف الإنساني للعاهل المغربي، واستقبال المملكة للاجئين السوريين، يفتح اليوم الباب أمام علاقات إنسانية وأخوية قوية بين الرباط ودمشق، وبالتالي يصعب في ظل هذا الوضع تصور موقف سوري لا يعترف بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء وفق رأي العديد من المتتبعين.