قصة اليوم هي قصة مولاي الحسن، ملك مستقبلي، بلغ لتوه واحد وعشرون سنة، مدة سار فيها -ولازال- بخطوات ثابتة لتكوين شخصية قيادة ستساعده مستقبلا في قيادة مملكة عظيمة يصدح صيت عظمتها من عمق التاريخ وواقع الحاضر. يشبهه الكثيرون بجده الراحل الحسن الثاني، ويقول آخرون أنه مختلف عنه، لكن ما يجمع عليه أغلب المغاربة أنه ذو شخصية كاريزمية تمزج بين رجاجة الرأي والحكمة البليغة وتواضع الملوك.
يحب النمور والأسود، ويعشق فريق الرجاء ويشاهد مباريات نادي برشلونة، ويدرس خيارا مغايرا للملوك العلويين، قد يقف في طابور طويل منتظرا الحصول على مثلجات كما قد يعطي درسا في احترام قانون السير، هي ببساطة تفاصيل جعلت المغاربة يكنون حبا دفينا لهذا الشاب الذي يحمل معالم رجل عظيم سيصبح يوما ما “ملكا” وقائدا لهذه الأمة.
ميلاد أشرق جنبات القصر
أشرقت جنبات القصر الملكي في 08 ماي 2003 بولادة ولي العهد مولاي الحسن، الذي لم يختر له جلالة الملك هذا الإسم إلا وفاءا لملكين عظيمين في تاريخ المغرب، هما السلطان مولاي الحسن الأول وجده الملك الراحل الحسن الثاني. وفي كل سنة يحتفل الشعب المغربي بذكرى ميلاد ولي العهد، التي تعد تعبيرا عن استمرارية تاريخ الدولة العلوية وترجمة لتلاحم الشعب بالملوك العلويين، الذين حافظوا لأزيد من ثلاثة قرون على المبادئ الأساسية للدولة العلوية، ويتعلق الأمر بالدفاع عن وحدة الوطن واستقلاله وصيانة مقدساته، المجسدة في شعار المملكة “الله، الوطن، الملك”.
علاقة أسرية وطيدة
يقال أن العائلة هي الجذور التي ننمو من خلالها، ومولاي الحسن اكتسب صلابته وقوة شخصيته من حب أسرته له وعلاقته القوية بوالده، التي كانت تظهر في طفولته من خلال العناق والقبلات والحنان، فكان له أبا قبل أن يكون ملكا، وهو الأمر الذي ما زال يظهر من خلال الصور التي تجمعهما معا من إجازاتهما في مناطق مختلفة من العالم.
ويتلقى الأمير مولاي الحسن تربية تمزج بين الأسلوب التقليدي الذي نشأ عليه والده على يد جده الملك الراحل الحسن الثاني في رحاب القصر بالرباط، وبين تربية عصرية، تشجع الانفتاح على الثقافات وتعلم اللغات واحترام الحضارات.
وكان الملك محمد السادس قد حسم في إحدى حواراته الصحفية النادرة أنه يحب أن يرى أن لابنه شخصية فذة خاصة به، حيث قال: “أنا لا أريد أن تكون شخصية ولي العهد مطابقة لشخصيتي، ولكن أحرص على أن تكون له شخصيته الخاصة به”.
شبيه جده الراحل الحسن الثاني
منذ أن كان طفلا صغيرا كانت تظهر على تقاسيم وجهه البريء علامات الفطنة والذكاء، كما كانت تصرفاته الحيوية وحركاته الكثيرة وطباعه الرزينة والمتزنة تبشر بشكل لا تخطئه العين بشخصية قوية شبهها الكثيرون بالراحل الحسن الثاني.
يقول الكثيرون أنه يشبه لدرجة كبيرة جده الملك الراحل الحسن الثاني، في ثباته وهدوئه ونظراته الثاقبة، وخطواته الواثقة، وحتى في أدق حركاته وسكناته، كما أنه لا يحب أن يترك يده للتقبيل من قبل المسؤولين حتى في المناسبات الرسمية.
مسار دراسي مغاير لوالده وجده
كان دخول ولي العهد، الأمير مولاي الحسن، للمدرسة المولوية في سنة 2008 وهو في الخامسة من عمره، محطته الأولى في مسار دراسي ناجع يجمع بين التكوين العلمي والأدبي والتاريخي والديني.
أما محطته الثانية فكانت حين حصل في سنة 2020 على شهادة الباكالوريا الدولية في شعبة العلوم الاقتصادية والاجتماعية، ليقرر لأول مرة مخالفة توقعات الجميع واختيار تخصص غير القانون الذي سلكه والده وجده، ليلتحق بشكل رسمي بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية في مدينة بنجرير.
يتحدث الأمير مولاي الحسن بمجموعة من اللغات إلى جانب لغته الأم العربية، إذ يجيد وبطلاقة كل من اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ويتواصل بهما بسهولة كبيرة، وهو الأمر الذي تظهره مقاطع الفيديو التي توثق لتحدثه مع مجموعة من الأمراء وقادة الدول في مناسبات دولية وزيارات رسمية مختلفة.
حب لكرة القدم وشغف كبير بالطيران والفن
وكغيره من الشباب والمغاربة المولعين بحب كرة القدم، يعشق ولي العهد نادي الرجاء الرياضي، وهو ما كان قد أعلن عنه المدرب السابق التونسي لسعد الشابي، حين صرح أن “ولي العهد يحب الرجاء، وكان يرغب في رؤية لاعبه المفضل محسن متولي يلعب مرة أخرى في الفريق الأخضر”، إذ حضر في سنة 2013 رفقة والده لنهائي كأس العالم للأندية بين الرجاء وبايرن ميونيخ الألماني. كما كانت صحيفة إلموندو الإسبانية قد ذكرت في السابق أن مولاي الحسن يتابع باستمرار جل مباريات فريق برشلونة المعجب بلاعبه “ميسي”.
وبالموازاة مع حبه لكرة القدم، ورياضات أخرى يهوى ولي العهد الطيران، وهو الأمر الذي تترجمه دراسته بالمدرسة الملكية الجوية بمدينة مراكش، التي تلقى فيها دروسا نظرية وتطبيقية، وتؤكد عليه مجلة “South China Morning Post” الصينية، التي كانت قد كشفت في تقرير سابق لها أن شغف مولاي الحسن بالطيران، دفعه إلى امتلاك طائرة خاصة من نوع Gulfstream G650، التي يستخدمها في تنقلاته الدولية بين مناطق العالم، والتي تقدر قيمتها بحسب الصحيفة بحوالي 68 مليون دولار أمريكي.
وشخصية مولاي الحسن محبة لكل ما هو جميل وتواقة لاكتشاف كل ما يمنح الحياة رونقها وتميزها، إذ أنه شغوف بالثقافة والفن والسينما والمسرح وكذا مشاهدة الأفلام، محب للألعاب الإلكترونية والحيوانات ولا سيما المفترسة منها كالأسود والنمور.
تواضع الملوك
يتحلى مولاي الحسن بخصال وصفات حميدة، لا سيما تواضعه وبساطته التي لطالما جعلته حديث المجتمع المغربي المفتخر بالصفات الطيبة للملك المستقبلي للمغرب، ولعل واقعة وقوفه قبل سنوات عديدة في طابور طويل أمام محل مشهور لبيع المثلجات بمدينة الدار البيضاء أبرز مثال عن ذلك ينم عن سلوك عميق بالمواطنة الصالحة.
كما كان ولي العهد قد شوهد من قبل وهو يسوق سيارته في شوارع العاصمة الرباط أو الدار البيضاء، في احترام تام للقانون، حيث قام في أحد المرات بتركيب علامة (90) في الزجاج الخلفي لسيارته، في إشارة إلى حصوله على رخصة قيادة جديدة، من أجل تنبيه السائقين وحثهم على احترام القانون لا سيما وأن أعلى سلطة في البلاد تمتثل له.
وبمناسبة ذكرى ميلاد ولي العهد، الذي صادف يوم أمس الأربعاء، هذا نستحضر بعض الأنشطة التي قام بها ولي العهد الأمير مولاي الحسن؛ حيث رافق الملك محمدا السادس في أنشطة مختلفة، من بينها جلسات العمل والمجالس الوزارية، والدروس الحسنية لرمضان 1445، وإحياء ليلة القدر المباركة، وصلاة عيد الفطر وتقبل التهاني، وكذا إحياء ليلة المولد النبوي الشريف، إضافة إلى عدد من الأنشطة الأخرى.
وكان قد ترأس، بتاريخ 28 أبريل الماضي، الجائزة الكبرى للملك محمد السادس للقفز على الحواجز، بالإضافة إلى حفل افتتاح الدورة الـ 16 من المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب (سيام)، الذي نظم تحت رعاية الملك محمد السادس، من 22 إلى 28 أبريل، تحت شعار “المناخ والفلاحة.. من أجل نظم إنتاج مستدامة وقادرة على الصمود”.
وتضاف إلى قائمة الأنشطة الرسمية التي ترأسها سموه، استقباله في 18 دجنبر 2023، بقصر الضيافة بالرباط، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز، وزير الدولة، وعضو مجلس الوزراء السعودي، حاملا رسالة شفوية إلى الملك محمد السادس، من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى حضوره رفقة الأمير مولاي رشيد في فاتح دجنبر الماضي، لأداء صلاة الاستسقاء بالمسجد الأعظم بمدينة الرباط، وذلك وتنفيذا لأمر أمير المؤمنين الملك محمد السادس.
تعليقات( 0 )