لقاء يجمع يهودا ومغاربة في هولندا لتعزيز قيم التعايش

في ظل التوترات المتزايدة في أوروبا والعالم، وفي خضم انتشار خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، شهدت كنيسة “أرمينيوس” في مدينة روتردام الهولندية، بداية هذا الأسبوع، تنظيم لقاء مفتوح بين مغاربة ويهودا هولنديين، من أجل تعزيز الحوار وقيم التعايش، وتسليط الضوء على القواسم الثقافية والتاريخية المشتركة بين الطرفين، مع التركيز بشكل خاص على إشراك الناشئة في النقاشات التي يمكن أن تبث فيهم قيم احترام الاختلاف.

وكشفت صحيفة “Trouw” الهولندية، أن مجموعة من أفراد الجالية المغربية المقيمة في البلد واليهود الهولنديين، قد اجتمعوا حول طاولة الحوار، في أجواء هادئة داخل كنيسة “أرمينيوس” المزينة بالأضواء الدافئة والألواح الخشبية، من أجل تعزيز قيم التعايش والسلام بين الطرفين لا سيما في ظل انتشار خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية.

ويهدف هذا اللقاء المنظم من قبل كل من الشبكة الوطنية لمغاربة هولندا “Landelijk Beraad Marokkanen”، التي تأسست في سنة 2010، ومؤسسة حوار اليهود الهولنديين “Dialoog Joods Nederland (DJN)”، إلى خلق فضاء للنقاش وتبادل الأفكار وبث قيم السلام بين المغاربة واليهود، لا سيما في ظل الأوضاع العالمية المتوترة والأزمات المترتبة عن الحرب الإسرائيلية.

وشهد هذا اللقاء حضورا كثيفا تنوع بين النساء والرجال من مختلف الفئات العمرية، وعلى الرغم من أن الحضور اليهودي كان أقل مقارنة بالمغاربة، إلا أن التركيز كان منصبا على تعزيز التفاهم والتعايش، كما قام المشرفون على اللقاء بتقسيم الحضور إلى مجموعات صغيرة، استمر فيها الحوار لمدة ساعة وربع بعيدا عن عدسات الصحافة والإعلام.

واستهل اللقاء بكلمة ألقاها إبراهيم بورزيق، من المشرفين على تنظيم هذا اللقاء، أشار فيها إلى صورة السلطان محمد الخامس المعلقة في الكنيسة، مسترجعا دوره التاريخي في حماية اليهود المغاربة من نظام فيشي الموالي للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، ما يعكس العلاقة التاريخية الوثيقة التي تجمع بين اليهود والمغاربة.

وأشار بورزيق إلى الواقعة التاريخية التي جعلت اليهود يكنون حبا عظيما للملك الراحل محمد الخامس، حين طلب منه النازيون تسليم اليهود، فقال لهم: “لا يوجد مواطنون يهود ومواطنون مسلمون بالمغرب، بل يوجد مغاربة فقط”، وأضاف إبراهيم بورزيق “يعيش الآن مليون يهودي مغربي في إسرائيل، وكل بيت تزوره هناك، ستجد صورة الملك دائما معلقة على الحائط”.

وتذكر المتحدث ذاته خلال مداخلته زهرة  الفاسية، وهي مغنية مغربية من أصل يهودي تنحدر من مدينة صفرو وتوفيت في إسرائيل في سنة 1994، والتي سبق لها وأن غنت في بلاط الملك، والمشهورة بأغنية “حبيبي ديالي فاين هو”، إلى جانب صامويل آل بالاتش وهو أول مبعوث مغربي يهودي لدى هولندا في القرن السادس عشر.

وأبدى بورزيق أمله بأن يعود المجتمع الهولندي كما كان عليه في الماضي، حيث كان شاهدا على تقارب أكبر بين مختلف المجتمعات في هولندا، حيث كان الجميع مندمجا بعيدا عن الانتماء الديني أو العرقي، مؤكدا أن التركيز المتزايد الآن على الهوية الدينية قد أضعف هذا التعايش.

ومن جانبها، تحدثت الفيلسوفة والمديرة التنفيذية لمركز المعرفة الثقافية في روتردام، ليسبث ليفي، عن أهمية الفكاهة في الأوقات الصعبة، مشيرة إلى الفيلسوف مارتن بوبر الذي وصف الإيمان بدون فكاهة بأنه “تزمّت”، كما أكدت أن الحوار ليس علامة ضعف، بل هو وسيلة للاعتراف بالآخرين، حيث اقتبست مقولة بوبر “في الحوار، نحن مسؤولون عن اختلاف الآخر، وليس عن إثبات صحة رأينا”.

وبدوره، لفت الحاخام ورئيس الجالية المغربية اليهودية، سيمون بورنشتاين، إلى أن “المطبخين المغربي واليهودي متشابهان، سواء كان الطعام حلالا أو كوشير، لا فرق. خذوا مثلا التوابل المغربية التقليدية ‘رأس الحانوت’، فكلمة ‘حانوت’ (محل) أصلها من الآرامية، وهي اللغة التي سبقت العبرية الحديثة”.

في ختام هذا اللقاء، أعرب الحضور عن رغبتهم في استمرار مثل هذه الأنشطة التي تعمل على تكريس قيم التعايش والسلام، معبرين عن سعادتهم بالحوار، حيث قال أحد الشباب إنه شعر بغنى التراث المشترك بين المغاربة واليهود، كما أجمع الحضور على أن مثل هذه اللقاءات تفتح المجال لفهم أعمق للآخر وتعزز الحوار البناء في ظل الأزمات العالمية الحالية.

تعليقات( 0 )