أفادت دراسة أنجزها مجلس النواب، أن علاقة المغاربة مع المؤسسات العمومية تحكمها النتائج التي تحققها في تعاملها معهم، وتستند إلى القيم الخاصة والمتقاسمة التي يفترض أنها تشتغل في سياقها، كما تتغير اتجاهاتهم نحوها حسب القطاع، وانطلاقا من المعلومات المستقاة من الإعلام، واتصالاتهم الشخصية مع الآخرين، وأيضا تجاربهم المباشرة مع مختلف القطاعات الخدماتية.
وحسب الدراسة الوطنية الميدانية التي أعدتها الغرفة الأولى بالبرلمان، حول “القيم وتفعيلها المؤسسي، تغيرات وانتظارات لدى المغاربة”، تتمثل أهمية التفعيل المؤسسي للقيم في “أن ما قد يتعرض له الأفراد من عدم إنصاف واحترام، وعدم نزاهة وصدق في التعامل كثيرا ما يؤدي إلى تقليص الثقة في المؤسسة
المعنية، ودرجة الرضى عن الخدمات المقدمة، بل قد يصل ذلك إلى حد الانسحاب من الأفعال والأنشطة التطوعية، وتراجع مستوى الرضى عن العمل الحكومي والنسق الإداري، وصولا إلى عدم المشاركة السياسية”.
الرضى عن الخدمات
سجلت الدراسة أن نسبة 80 بالمئة من المستجوبين، لا يشعرون بالرضى عندما يتعلق الأمر ب”السرعة في أداء الخدمة”، وذلك بسبب أن هذا الأداء “بطيء ولا يتم بالوتيرة المطلوبة”، في حين عبرت نسبة تتراوح بين 70 و79 بالمئة، عن عدم رضاهم بخصوص الاضطرار “للانتظار لنيل الخدمة”، وبسبب انعدام “الشفافية في التواصل”، وعدم الحرص على “المساواة
في التعامل”، وعدم “إشراكهم عند اتخاذ القرار” الذي يخصهم.
وحول “الاستقبال عند دخول الإدارة”، أو “احترام” المرتفق داخلها، عبر حوالي نصف المجيبين وفق الدراسة، عن عدم رضاهم.
في السياق ذاته، اعتبر 76 بالمئة من المجيبين، أن احتمال استشارتهم قبل اتخاذ قرار من مؤسسة أو إدارة، “منعدم وضعيف”، معتبرين أن المؤسسة العمومية تتخذ قراراتها دون إجراء مشاورات قبلية مع الساكنة المحلية المعنية بها، في حين يرى 45 بالمئة من المجيبين أن موظفي المؤسسة العمومية، يتعاملون على قدم المساواة، أشخاصا مختلفين من حيث اللغة، أو الأصل الجهوي، أو الانتماء القبلي، توقع “منعدم وضعيف”، بينما يعتقد 38 بالمئة بأنه “توقع متوسط”، أي يمكن
أن يحدث أو لا يحدث، فيما عبر 14 بالمئة منهم فقط عن “توقع قوي” بهذا الخصوص، وحسب المصدر ذاته، لا زالت المسافة التي يتعين قطعها لتحقيق “المساواة” بين المواطنين والمواطنات وتفعيل هذه القيمة في المؤسسة العمومية طويلة نسبيا.
العلاقة مع موظفي المؤسسات العمومية
كشفت الدراسة أن 86 بالمئة من المجيبين، اتفقوا بشكل تام، على أن “جودة الخدمات المقدمة ترتبط بالعلاقة الشخصية القائمة ما بين المواطن والموظف”، واعتبرت أنه “كلما كان هنالك تداخل بين الشخصي والمهني في العمل بالمؤسسات العمومية، وتأثير للمكون الشخصي في توجيه عمل الموظف، فإنه يتعذر الحديث عن مساواة المواطنين والمواطنات أمام الإدارة العمومية”.
في سياق متصل، اتفق المجيبون على رأي “يتم التعامل معي باحترام”، لكنهم وفق معطيات الدراسة، لم يتفقوا مع أي من الآراء والأحكام التالية: تتم مساعدتي عندما يبرز مشكل ما؛ يتعامل الموظف معي بشفافية في ما يقدمه لي من توضيحات؛ يتعامل الموظف معي على قدم المساواة مع الآخر؛ يتعامل الموظف معي بتسامح؛ يقدم لي الموظف المشورة تحقيقا لمصلحتي؛ تقدم الإدارة خدمات ذات جودة وسمعة الإدارة طيبة في أوساط الساكنة المحلية.
الرشوة
وبخصوص تسلم الرشوة، نقلت الدراسة عن المجيبين، أنه احتمال “قوي”، بالنسبة للمؤسسات التالية: الجماعة الترابية، والمستشفى العمومي، والمحكمة والإدارة، فيما كان “متوسطا”، بالنسبة للمقاولة، والصحافة المكتوبة، والإعلام المرئي والجامعة.
بينما سجل “ضعيفا” سوى بالنسبة لمؤسسة المدرسة.
وعن مدى تداول الرشوة وحضورها بانتظام في المؤسسات العمومية، فهي وفق نتائج الدراسة ذاتها، “غير موجودة أبدا” في المدرسة، و‘‘موجودة نادرا‘‘ في الجامعة، لكن ”موجودة دائما” في المستشفى و”موجودة غالبا“ في المحكمة، والجماعة الترابية، والمقاولة، والإدارة المكلفة بالنقل، والإدارة المكلفة بالسكن والمؤسسة الإعلامية، استنادا إلى تجارب المجيبين الشخصية وأسرهم وجيرانهم.
اللغة
وفي ما يتعلق باللغة التي يفضل المغاربة استعمالها في علاقتهم مع الإدارة، فضلت الأغلبية اللغات الرسمية والوطنية على اللغات الأجنبية، فاختار 85 بالمئة من المجيبين اللغة العربية، تلتها الدارجة المغربية التي اختيرت من طرف 80 بالمئة منهم، متبوعة
باللغة الأمازيغية بنسبة 69 بالمئة، ثم الحسانية بنسبة 15 بالمئة من المجيبين.
وبخصوص اللغات الأجنبية، تابعت الدراسة، أن اللغة الفرنسية اختيرت من طرف 47 بالمئة من المجيبين، أما الإنجليزية فقد اختارها 34 بالمئة، وهي نسبة اعتبرتها “مرتفعة”، بالنظر إلى أن هذه اللغة لم يشرع في تداولها في النظام التعليمي المغربي، باعتبارها لغة أجنبية ثانية، سوى في فترة الاستقلال.
أما اللغة الإسبانية، تضيف معطيات الدراسة، فلم يتم اختيارها سوى من لدن 7 بالمئة، الأمر الذي يبين حسب المصدر عينه،
تدني الاهتمام بالاستمرار في استعمالها، خاصة بعدما تم تعويضها باللغة الفرنسية على نطاق واسع.
وأشارت الدراسة إلى أن أكثر من نصف المجيبين، بنسبة بلغت 56 بالمئة، اختاروا كذلك لغة الإشارات خدمة لأصحاب الاحتياجات الخاصة.