يشهد قطاع السيارات في المغرب طفرة نوعية تعزز مكانته كوجهة مفضلة للاستثمارات الصناعية العالمية.
وفي خطوة تعكس هذه الدينامية، شهدت مدينة سلا افتتاح وحدة صناعية جديدة تابعة لمجموعة “فورفيا”، بعد أيام فقط من تدشين مصنع جديد لشركة رومانية في طنجة.
هذه المشاريع تمثل مؤشرات واضحة على التطور المستمر في هذا القطاع الحيوي، ودوره المحوري في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز موقع المغرب كمركز إقليمي لصناعة السيارات.
وفي هذا السياق، أشار ياسين عليا، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني، إلى أن الزيادة الملحوظة في إقبال الشركات الأجنبية على الاستثمار في قطاع السيارات تعود إلى الخبرة التي اكتسبها المغرب، خاصة في مجال تكوين الأطر وتسويق المنتجات.
كما أضاف أن المغرب قد تمكن من بناء بنية إنتاجية متكاملة، حيث توفر المناطق الصناعية التي تشهد استثمارا في قطاع صناعة السيارات المواد الأساسية الضرورية، مما يسهل على الشركات الاستفادة من خدمات متكاملة في إنتاج السيارات دون الحاجة لاستيراد المواد من أماكن بعيدة.
من جهة أخرى، أشار المحلل الاقتصادي إلى أن العامل البشري في المغرب يعتبر من العوامل المهمة، إذ تتمتع اليد العاملة بتكوين جيد وأجور تنافسية مقارنة بالدول الأوروبية، خصوصا في المهن المتعلقة بصناعة السيارات. كما أن الدولة تساهم في تشجيع الاستثمار من خلال تخفيض الضرائب على المنتجات المصدرة، مما يساهم في خلق فرص عمل وتحفيز الشركات على الاستثمار في القطاع الصناعي.
وأضاف عليا أن قرب المغرب من الأسواق الأمريكية والأوروبية يمثل ميزة كبيرة، خصوصا مع التوجه العالمي نحو الصناعات الخالية من الكربون وصناعة السيارات الكهربائية.
وتابع قائلا :”المغرب يملك بنية تحتية تدعم هذا الاتجاه، بالإضافة إلى قربه من موانئ المعادن والمراكز التي تنتج المواد اللازمة لصناعة السيارات الكهربائية والبطاريات”.
وأكد عليا أيضا أن هذا الاستثمار يجذب الشركات الصناعية، خاصة من دول مثل الصين، التي تواجه عقوبات أمريكية وأوروبية، حيث يوفر لها المغرب فرصة للاستقرار بالقرب من الأسواق الأوروبية دون أن تخضع لتلك العقوبات.
وفيما يتعلق بالآثار السياسية للصناعة المتبعة في المغرب، كشف أستاذ الاقتصاد إلى أنه ورغم النجاح الذي حققته صناعة السيارات، إلا أن تأثير هذه الصناعة يبقى محدودا،”فالصناعة الوطنية لم تتمكن من تحقيق التحول الجذري الذي كان من المفترض أن تحققه السياسات العمومية، مثل خطة التسريع الصناعي”.
وأوضح عليا أن هذا يثير تساؤلات حول نسبة مساهمة القطاعات الصناعية في الناتج الداخلي الخام، فعلى الرغم من تحقيق بعض النتائج في مجال خلق فرص العمل، إلا أن السياسة الصناعية لم تعالج المشكلة الأساسية، وهي ارتباط الاقتصاد الوطني الكبير بالقطاع الفلاحي، حيث إن أكثر من 30% من اليد العاملة ما تزال تعمل في هذا القطاع، “وهو ما يمثل مؤشرا سلبيا، خاصة في ظل تراجع القدرة الفلاحية بسبب سنوات الجفاف والارتفاع المستمر في مستويات البطالة”، حسب الخبير الإقتصادي.
وأضاف المتحدث ذاته أن هذا التحول المنشود من السياسات الصناعية، وعلى رأسها مخطط التسريع الصناعي، أدى إلى زيادة صادرات قطاع السيارات، ولكنه لم يتمكن من معالجة التحديات البنيوية المرتبطة بارتباط الاقتصاد المغربي بالفلاحة.
كما أشار إلى مشكلة أخرى تتمثل في عدم قدرة الاقتصاد الوطني على إنتاج منتج محلي مكتمل، مثل تصنيع سيارات مغربية حقيقية بمستوى دمج محلي يصل إلى 100%، وبدلا من ذلك، يستمر العمل وفقا لمقاربة تقتصر على إنتاج لصالح الخارج.
وتابع موضحا أن المغرب لم يتمكن بعد من تطوير تقنيات أساسية، مثل إنتاج محركات السيارات، مما يعكس ضعف مستوى الانتقال التكنولوجي مقارنة بما كان مأمولا من هذه السياسات الصناعية.
وأقر أنه في النهاية المطاف، يظل هذا القطاع، مثل العديد من القطاعات الصناعية الأخرى، مرتبطا بقرارات الشركات المتعددة الجنسيات، التي تستفيد أكثر من المغرب من هذه السياسات الصناعية.
ومن جهة أخرى، أكد عليا أن هذه الدينامية، على الرغم من كونها إيجابية والنتائج التي حققتها تعتبر إيجابية، إلا أنها تظل محدودة على مستوى الهيكلة العامة للاقتصاد الوطني، قائلا، ” تساؤلات تثار بشأن التوجه العام للسياسات العمومية، التي تأتي في إطار النموذج التنموي الجديد، الذي يسعى المغرب من خلاله إلى تجاوز عثرات النموذج القديم، الذي لا يزال قائما إلى اليوم”.
وبالتالي، أوضح عليا أن استمرار هذا النوع من الاستثمارات قد يساهم في خلق فرص عمل وتعزيز الصادرات، لكنه لن يؤدي إلى التحول المنشود، داعيا إلى “ضرورة مراجعة الدولة الأساسيات التي تقوم عليها السياسة الصناعية، والتوجه نحو التمكن من التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال لأن استقطاب الاستثمارات وحده لا يكفي لتحقيق التحول الاقتصادي المأمول”، يضيف عليا.
تعليقات( 0 )