زارت عبير أوطالب، أخصائية نفسية، بمدينة الدار البيضاء، رفقة آخرين، أحد الدواوير المغربية، التي أصابتها لعنة الزلزال، على بعد كيلومترات من مدينة مراكش، لإيصال ما استطاعوا من مساعدات.
ولمحت عبير خلال زيارتها، صورا ومشاهد أبت أن تفارق ذاكرتها، أبنية منهارة فوق أجساد النائمين، ممن أقفل عليهم الموت قبضته، ومقبرة جماعية بهواء غريب، امتزجت فيه رائحة الجثت برائحة التراب، وحزن ينخر أجساد الناجين، ممن فقدوا طعم الحياة، وأيادٍ مدها القدر، لتخرج من اعتزلوا الحياة إلى زخمها من جديد.
وفي هذا الحوار الخاص، لموقع “سفيركم”، تنقل عبير أوطالب، بصفتها أخصائية نفسية، طبيعة الوضع في الدواوير المنكوبة، التي قامت بزيارتها، وأهمية المواكبة النفسية لضحايا الزلزال، وكذا الآثار النفسية المترتبة عن الحادث وكيفية علاجها.
كيف كانت تجربتك مع القافلة الطبية في شيشاوة؟
“لم تكن قافلة طبية بل استكشافية، ذهبنا يوم الأحد، إلى أحد دواوير جماعة مزوضة، التابعة لإقليم شيشاوة، وكانت تجربة جميلة، لأنني وظفت مهاراتي، لأواسي الناس في مصابهم، وأستمع لهم ولمعاناتهم”.
وتابعت: “اخترنا اثنين من الدواوير، التي لم تصلها مساعدات أو دعم طبي، لم تكن أبدا مهمة سهلة، فقد جمعنا عددا كبيرا من المساهمات، مثل الأفرشة والمواد الغذائية، في ظرف ست أو سبع ساعات، واستطعنا أن نوصلها لهذه الدواوير، التي هي في أمس الحاجة إليها”.
كيف تصفين الوضع هناك؟
“صراحة، الوضع هناك كارثي جدا، لم يساعدهم أحد في إخراج الموتى، ودفنوا إلى حد الساعة 25 ميتا فقط، وما زال آخرون تحت الأنقاض، الوضع مأساوي: والدان بدون أبناء، أبناء بدون والدين، زوجة بدون زوج وأبناء، أخ بدون إخوة”.
وأضافت: “رائحة الدوار لم تفارقني أبدا، امتزجت رائحة الجثت الميتة بالتراب، مواشي ميتة في أنحاء مختلفة من القرية، حقيقة، الناس هناك يحتاجون لمن يدعمهم ويواسيهم، هم في أمس الحاجة لمواكبة نفسية، بالإضافة إلى الملابس، والأغطية، والتطبيب، والأكل والماء”.
ما هي الآثار النفسية الشائعة، التي يمكن أن يعاني منها من تعرضوا للزلزال؟
“بالنسبة للآثار النفسية الشائعة، التي تحدث بعد الزلزال، توجد حالة النسيان ‘Bleu Choque’ التي يعاني منها الأشخاص الذين تعرضوا للزلزال، سواء في المناطق الجنوبية وحتى في الداخل، حيث تواجههم صعوبة في تذكر تفاصيل الحادثة، بالإضافة إلى استمرار نوبات الهلع والخوف من المنبهات الخارجية، والشعور باليأس من الحياة، وفقدان التركيز، والاهتمام بالأنشطة الاجتماعية، وكذا اضطرابات في الشهية، وصعوبة في النوم وغيرها”.
ما هي النصائح التي يمكن أن تقدميها للأفراد والعائلات لتخطي هذه التجربة؟
“أول خطوة نحو تخطي هذه التجربة، هو الإيمان بأن المشاعر المختلطة، مثل الخوف والحزن، هو أمر عادي، كي نتجاوز هذه المرحلة، فحين لا نمنح هذه المشاعر قيمة ستضرنا أكثر”.
وأردفت: “ومن المهم أن نهون على أنفسنا خلال هذه الفترة، ونحاول تقزيم حجم مشاكلنا، ومن الضروري أيضا، أن نقسم المهام والأنشطة اليومية، ونبدأ بالأكثر أهمية، ونعلم أنه ليس ضروريا، القيام بكل شيء، في وضع نفسي كهذا”.
ونصحت بتقييد تتبع الأخبار، على مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضحت: “من المهم أن نواكب ما يحدث، لكن علينا تفادي مشاهدة مقاطع الفيديو المؤثرة، والمصورة من قلب المناطق المنكوبة، ويحبذ قضاء وقت أطول مع العائلة والأصدقاء، والتواصل معهم، كي نشعر بالأمان ونتجاوز الأزمة، والابتعاد عن الهواتف واللوحات الإلكترونية في الليل، من أجل النوم مبكرا، وممارسة رياضة المشي، وتناول أكل صحي، وشرب الماء بكميات كافية”.
ماهي نصيحتك لمن يعانون من استجابات نفسية غير عادية؟
“نصيحتي لكل من شعر بأنه بقي في حالة الصدمة، ولم يتجاوب مع حادثة الزلزال بشكل طبيعي؛ حيث أنه لم يبك ولا يستطيع النوم حتى بعد اليوم الخامس، اطلبوا المساعدة من أخصائيين نفسيين، هناك خلايا للاستماع وأطباء نفسيون في عياداتهم، مستعدون للاستماع إليكم، كما توجد رهن إشارتكم، أرقام خضراء يمكنكم الاتصال بها مجانا، من أجل الاستفادة من المواكبة النفسية”.
كيف يمكن مساعدة من فقدوا أقاربهم، على استئناف حياتهم من جديد والاندماج في المجتمع؟
“صراحة، هنا يلزم مواكبة نفسية. في البداية، يجب أن يقوم الشخص بالحداد، على الشخص الذي فقده سواء أبناء، أو زوج، أو زوجة، أو إخوة أو والدين، لأن الأشخاص يكونون في حالة صدمة، ومهمتنا هي تحويل الصدمة إلى تقبل للوضع، من خلال الاشتغال معهم بوسائل وطرق خاصة، تنقلهم من حالة الصدمة إلى التقبل، ثم من التقبل إلى التعايش مع الأمر”.
بصفتك أخصائية نفسية، كيف يجب التعامل مع الأطفال؟
“طريقة التعامل مع الصغار يجب أن تكون خاصة، لأن الطفل الصغير، ليست لديه قابلية استيعاب معنى الزلزال، فهو كارثة لم يسبق لها أن حدثت في جيله، وهنا يجب الحذر في طريقة الحديث عن الزلزال أمام الأطفال، وعدم تصويره على أنه نهاية العالم أو عقاب من الله، لأن هذا يخلق في أنفسهم نوعا من الرعب والهلع”.
وأبرزت: “أول خطوة يقوم بها الأطباء والأخصائيون، هي محاولة شرح هذه الظاهرة الطبيعية بشكل سلس، فحين يراود الأطفال، سؤال حول سبب ضرب الزلزال لمنطقة معينة دون الأخرى، يجب أن نجيبهم مثلا، أن الزلزال مفيد لأرض المنطقة كي تستوي، وأنه مثل النار، التي يمكن أن تحرقك، وتطهي عليها الأكل في ذات الوقت، وأن من توفوا هم الآن طيور في الجنة، وذلك لنغير فكرة الطفل المرعبة عن الزلزال، ونطمئنه حين يرتعب من الأصوات الخارجية”.
وخلصت عبير باعتبارها أخصائية نفسية، إلى القول: “وأنصح الوالدين، عند ملاحظة تغير في سلوكات أبنائهم، طلب مساعدة أخصائي أو طبيب نفسي”.
تعليقات( 0 )