في فضاء شديد الخصوصية، وبالضبط من سوق للخردة، ينقل ادريس الروخ للمشاهد المغربي قصة مسلسل “جنين”، الذي هو عبارة عن وجهين لعملة واحدة، فمن جهة يعري عن شوائب لطالما كانت لصيقة بالمجتمع، ومن جهة أخرى فيه دعوة لكل من يظن بأنه فقد بوصلته في الطريق، ليقول له دائما هناك بصيص من الأمل وجب التشبت به.
وفي هذا الحوار الخاص الذي أجراه موقع “سفيركم” مع ادريس الروخ، ممثل ومخرج مسلسل “جنين”، يكشف لنا هذا الأخير عن كواليس تصوير المسلسل وسر اختياره للشخصيات، ونقله لظواهر من الواقع المعاش، وكذا القيم التي راهن عليها في هذا العمل الدرامي.
كيف كانت أجواء تصوير مسلسل جنين؟
“بالنسبة لأجواء تصوير مسلسل جنين كانت في الحقيقة جيدة، تجمع بين شق احترافي وآخر عائلي، لأننا نشتغل على الشقين منذ مدة طويلة، نحاول أن نكون فريق عمل يمكن أن يقال عنه ’العائلة‘ يجمع بين كل الطواقم الإدارية، الإنتاج، التقني، الفني… والجانب المهني والاحترافي من خلال الاشتغال بحرفية ومسؤولية، لجعل هذا العمل ’المركز‘ الذي يمنحنا القوة وإمكانية إخلاص وإتقان العمل وأن نكون فاعلين فيه. وهذه المسألة تتطلب فترات طويلة من الإستعداد والاشتغال والكثير من الاجتماعات وطرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة، وكذا استخلاص مجموعة من الأمور، مند انطلاق الفكرة إلى الكتابة والاستعداد مرورا بأجواء التصوير وما بعد التصوير”.
“كانت هناك فترات فيها ألم حزن بكاء، إلى جانب لحظات فرح وضحك وسعادة، بمعنى أن الأجواء كانت مختلفة ومتعددة، فالاشتغال في مسلسل وفي أعمال درامية وعلى شخصيات لها خلفية مهمة من الحمولة النفسية وتعيش المأساة وتتألم فيها، وشخصيات أخرى تتقلب بين الكوميديا والضحك، تتطلب فهما عميقا وإدارة جيدة للشخصيات من أجل الاشتغال عليها بحكمة وتبصر وتريث وفهم لجميع وسائل توصيلها إلى الجمهور، لأن في نهاية المطاف هو عمل واحد يجب أن نخلص له ولقصته كي نضمن وصوله إلى الجمهور في أحسن حلة”.
كيف يعالج مسلسل جنين ظاهرة التخلي عن الأبناء؟
“بالفعل المسلسل يعالج مجموعة من الظواهر المجتمعية، بداية بظاهرة تخلي الآباء عن الأبناء، ففي قصة المسلسل هناك التخلي عن طفل ولمدة 30 سنة يستمر في البحث عن أصله، ووالديه والأهم إجابة عن سؤال سبب تخلي والديه عنه، صعب أن نعرف أن ما يقع من شحنة إحساس قوية بالضياع، التلف، والابتعاد عن الأصل لدى الأطفال، الذين يعيشون حياتهم كاملة بنوع من التشتت والرغبة في معرفة هل كانوا سببا في هذا الضياع والتخلي، وبالتالي هذا الإشكال يجب أن نتحدث عنه ونظهر مدى الألم والمعاناة التي يعيشها هؤلاء الأطفال، وطبعا في الزاوية المقابلة ألم الآباء المضاعف”.
” وهذا العمل هو فرصة لنسائل المجتمع، الأسر، الظروف، وعدد من التحولات التي يشهدها المجتمع والتي تسبب هذه الظاهرة، التي من الممكن أن نعالجها عن طريق فتح نقاش جاد ومسؤول يمكن من خلاله على الأقل توضيح الأسباب التي ترمي بأطفال صغار في الشارع ليكونوا عرضة لمخاطر نفسية واجتماعية وخيمة”.
ماهي المواضيع الاجتماعية الأخرى التي يتطرق إليها المسلسل؟
“يسلط مسلسل جنين الأضواء على ظواهر مجتمعية أخرى كعلاقة الوالدين بأبنائهم ورفاق السوء، إدمان الأبناء، تفشي ظاهرة المخدرات في المجتمع، والاشتغال بهذه المادة السام وبالتالي تحطيم الأسر الذي من الممكن أن يجعلنا نفقد أهم محرك في تطور مجتمعاتنا، بالإضافة إلى واقع سوق الخردة الذي أبيت إلا أن أنقل مشاكلهم، فهم أناس يشتغلون من الصباح إلى المساء، يصلحون سياراتنا وأعطابها ومشاكلها، وشخصيا التقيت بمجموعة من الأشخاص العاملين في هذه المهنة يرغبون جدا في تطويرها والاشتغال بإتقان وصدق، لكن كباقي المجالات هناك أشخاص محسوبون فقط على المهنة ويشتغلون بشكل غير قانوني وبالتالي يمسون بسمعة المهنة وجودتها”.
كيف استطاع ادريس الروخ أن يستنبط ظواهر مجتمعية من الواقع المعاش ويحولها إلى قالب فني درامي قابل للفرجة؟
“بطبيعة الحال هناك مجموعة من الآفات والظواهر التي تنخر جسد المجتمع، التي قررنا أن نبلورها في قالب درامي فيه حبكة درامية من 30 حلقة وفي كل حلقة 52 دقيقة، هناك مجموعة من عناصر التشويق التي يجب أن تكون جاهزة و متراصة، بالإضافة إلى الحفاظ على تصاعد درامي من أول حلقة إلى آخر حلقة وتكون طريقة الكتابة سلسة وتساعد على فهم القصة رويدا رويدا، كل هذه القوالب لا يمكن إلا أن تخلق لنا مسلسلا يجمع بين الإثارة، التشويق، والمعالجة الدرامية، سواء من ناحية طريقة التصوير، لأن في آخر المطاف يجب نقل هذا عن طريق الصورة، الإطار، الإحساس، بناء الشخصيات والتلون والتنوع، وكذا فهم الحالات النفسية والاجتماعية والعاطفية لهذه الحالات كلها، وبالتالي هذا التسلسل والبناء هو ما يجعل الجمهور في آخر المطاف يتابع القصة ويخلق معها رابط تواصلي بين ما نقدمه وما يشاهده الجمهور.
ماهو السبب وراء اختيارك لمزيج بين الممثلين الرواد والشباب في مسلسل جنين؟
“شخصيا أؤمن بأن اختيار الممثلين هي أهم محطة في إعداد وتقديم أي عمل، والممثل هو الوسيلة الحقيقية لإيصال الرسائل والمفاهيم والمعاني والأحاسيس وأحداث القصة إلى الجمهور وبالتالي يجب اختياره بعناية، فاختيار الكاستينغ حسب الشخصيات المتواجدة في السيناريو وحسب رسم الشخصيات، هو من يعطي فكرة عن البروفايل المناسب الذي يمكن أن يكون إضافة نوعية للعمل، وحين نقدم اقتراح لممثل أو ممثلة سواء من جيل الرواد، أو الشباب، النجوم أو من الاكتشافات والمواهب، نمنح الفرصة للكل، وهذا الخليط دأبنا عليه منذ سنوات طويلة وكنا دائما مواظبين على هذه التوليفة، التي يجب إعطائها قيمتها فلكل ممثل قدرته وقوته وقيمته، وبالنسبة لي أنا كل هؤلاء الممثلين هم نجوم المستقبل يجب أن يتم الاعتناء بهم وإدارتهم فأحيانا تجري بيننا محادثات طويلة جدا حول الشخصية، وأقوم بالإدارة النفسية، وإعطاء صورة حقيقية لمفهموم الشخصيات بمعانيها الشخصية وصورها الحقيقية، وكذا إعطاء لمحة عن تاريخ هذه الشخصيات، باعتبار أن الممثل هو تلك الطاقة والشحنة والفعل الإبداعي ثم الصورة الحقيقية لتقديم العمل، لذلك أنا شخصيا أعز وأقدر كل فنان وكل ممثل لأنني أشتغل في مهنة التمثيل”.
هل تحمل قصة المسلسل من خلال شخصية جنين دعوة للمشاهد من أجل التشبت بالأمل في الحياة بالرغم من الصعاب والتحديات؟
“بالفعل الهدف الأسمى من المسلسل هو خلق نبراس أمل لكل من يعتقد أن الحياة لا أمل فيها، وأنه يفقد بوصلته في الطريق ويعتقد أنه في نهاية المطاف لا أمل ولا نجاة، هناك فعلا دائما هذا النور الذي يجعلنا نتشبث بهذا البصيص، ففي الأخير حياتنا مبنية أساسا على أمل ما، ولهذا فالمسلسل هو دعوة حقيقية من خلال جنين وكل الشخصيات التي سنشاهدها من الحلقة الأولى إلى الحلقة 30، توجه دعوة إلى التشبت بهذا البصيص من الأمل في رحلة اكتشاف الحقيقة واكتشاف السر وفهم ما يجول بخاطرها وخاطر شخصيات أخرى”.