ينتظر الأمازيغ في المغرب يوم 14 يناير من كل عام للاحتفال بقدوم سنة أمازيغية جديدة، بعد أن أصبح هذا اليوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر، بقرار من الملك محمد السادس في العام الماضي، في إطار الاعتراف بالثقافة الأمازيغية، على غرار احتفالات الأول من محرم للسنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
ولم يُمنح هذا الاعتراف الرسمي، على طبق من ذهب للأمازيغ، بل جاء بعد سيرورة من النضال المتواصل للحركة الأمازيغية، من أجل الإقرار الفعلي برسمية “الأمازيغية”، والتعامل معها لغة وثقافة بنفس القدر من الاحترام والاهتمام الذي يولى للغة الرسمية الأولى ولباقي الثقافات التي يرخر بها البلد.
ويحتفل الأمازيغ بهذه المناسبة التي تقترن ببداية الموسم الفلاحي إلى جانب العرب، تعبيرا عن خصوبة الأرض وأملا في موسم زراعي مزدهر.
ولا يمكن الحديث عن التطور الذي عرفته مكانة “الأمازيغ” والأمازيغية”، دون الرجوع إلى البيان الأمازيغي الذي حرره المفكر محمد شفيق الملقب بالأب الروحي للحركة الأمازيغية بالمغرب، سنة 2001، الذي أخرج الحركة من الظل الذي فُرض عليها في فترة حكم الحسن الثاني، إلى ضياء “العهد الجديد”.
وضع هذا البيان الذي وقعته 329 شخصية أمازيغية، بين يدي الملك محمد السادس بالموازاة مع عيد العرش لسنة 2001، متضمنا عددا من المطالب، أهمها إعادة الاعتبار إلى اللغة والثقافة والهوية الأمازيغية وإلى إصلاح التعليم وكتابة التاريخ المغربي من جديد، وتوظيف الناطقين بالأمازيغية في الأجهزة الإدارية.
وشكل الخطاب الملكي بأجدير، سنة 2001، الذي أعلن فيه الملك محمد السادس عن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (إيركام)، والذي عين محمد شفيق عميدا له من أكتوبر 2001 حتى عام 2003 (شكَّل)، تعبيرا حقيقيا عن إرادة القوة السياسية الأولى بالمغرب في تعزيز حضور المكون الأمازيغي داخل مملكة متنوعة من حيث البناء الثقافي.
وفي سنة 2003 انطلقت أول تجربة لتدريس اللغة الأمازيغية بالمدارس المغربية، وهي “التجربة” التي تأطرها اليوم عدد من النصوص والقوانين التنظيمية، وتعززها اختصاصات وصلاحيات الأكاديميات ومجالس المؤسسات.
وفي هذا السياق، جاء في الفقرة 1 من المادة 2 من الظهير المنظم لاختصاصات الاكاديميات ما يلي :
” …إعداد مخطط تنموي للأكاديمية يشمل مجموعة من التدابير والعمليات ذات الاولوية في مجال التمدرس طبقا للتوجهات والأهداف الوطنية، مع إدماج الخصوصيات والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الجهوية في البرامج التربوية بما في ذلك الامازيغية ”.
وتضيف الفقرة “كما يمكن تفعيل تدريس اللغة الأمازيغية على مستوى المؤسسة من خلال مجالسها (مجلس التدبير ، المجلس التربوي ، المجالس التعليمية ومجالس الاقسام ) وذلك بتفعيل ادوارها ومهامها باتخاذ الاجراءات اللازمة طبقا للمادة 23 من النظام الاساسي العام لمؤسسات التعليم العمومي”.
وظهر جليا أن الإرادة السياسية في إدماج “الأمازيغية” داخل النسق اللغوي والثقافي لم تكن صورية فقط، حيث تم التعبير مرة أخرى عن جدية هذه الإرادة من خلال إضفاء طابع الرسمية على اللغة الأمازيغية، عبر دستور 2011، وشكلت بذلك مراجعة الدستور عام 2011 محطة فارقة في مسار الحركة الأمازيغية.
وبعد تأخر دام سنوات، تم إصدار القانون التنظيمي رقم 26.16، لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية سنة 2019، وهو قانون يحدد مراحل وإجراءات إدماج الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة العامة.
لتأتي بعد ذلك، الفترة الممتدة ما بين 2023-2020 التي أسست لبداية التدرج في تفعيل الأمازيغية بالإدارات والمؤسسات العمومية ، حيث اتخذت الحكومة خطوات عملية لإدماج الأمازيغية في الإدارة العمومية، كإعداد وثائق رسمية بالأمازيغية، وتوفير مترجمين في بعض الإدارات والمحاكم، كما خصصت سنة 2022 ميزانية لتعزيز استخدام الأمازيغية في المؤسسات.
وبالرغم من المكاسب التي حققتها “الحركة الأمازيغية” على مدار العشرين سنة الماضية، إلا أن العديد من النشطاء لا يزالون يؤكدون وجود “هوة كبيرة” بين ما نص عليه الدستور والواقع المعاش. ويعزون ذلك إلى وجود مقاومة خفية من بعض الجهات التي ترفض إدماج “الأمازيغية” كلغة وثقافة في حياة المغاربة.