في ظل الإرتفاع المستمر لرسوم التأمين والخدمات المقدمة من المؤسسات التعليمية الخصوصية، أكد الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج، في حوار مع جريدة “سفيركم” أن هذه الزيادات تعود إلى عوامل متعددة منها جودة التعليم والتكاليف التشغيلية.
وأوضح أن القانون الحالي يمنح هذه المؤسسات حرية تحديد أسعارها دون رقابة مالية صارمة، مما يترك المجال أمام استغلال الأسر، مشيرا إلى أن الحل يكمن في تعديل القوانين لضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
و هذا نص الحوار:
ما هي أسباب الارتفاع المستمر في رسوم التأمين والخدمات المقدمة من طرف المؤسسات التعليمية الخصوصية، وكيف يمكن السيطرة على هذه الظاهرة؟
بدون شك، الرسوم التي تفرضها المؤسسات التعليمية يتم تحديد مقدارها بناء على العديد من العوامل مثل نوع ومستوى التعليم المقدم، وجودة الخدمات المقدمة، والتكلفة العامة للمؤسسة، رسوم تسجيل التلاميذ، رسوم التعليم أي أجور المدرسين …، ويمكن أن تكون هناك رسوم إضافية لأنشطة خارجية، وبالتالي فالهدف من فرض هذه الرسوم هو تغطية تكاليف تشغيل المؤسسة التعليمية وتحسين البنية التحتية وتحسين جودة التعليم المقدم، لكن كما ذكرت، هذه المصاريف أو هذه الأسعار في ارتفاع مستمر، لأن هذا له علاقة بالسياسة الاقتصادية التي تنهجها الحكومة، وبالتالي ليست المؤسسات التعليمية هي التي رفعت من ثمن خدماتها بل كل المؤسسات بما في ذلك المؤسسات الحكومية التي من المفروض أن تراعي القدرة الشرائية للمواطنين انسجاما مع ما تدعيه الحكومة الحالية على أنها “حكومة اجتماعية”، وعليه فرسوم التأمين والخدمات المقدمة من قبل المؤسسات التعليمية تخضع للعوامل الاقتصادية والاجتماعية مثلها مثل ارتفاع تكاليف العيش والرواتب وتكاليف الصيانة.
أما السيطرة على ظاهرة ارتفاع الأسعار بصفة عامة ورسوم التأمين والخدمات المقدمة من طرف المؤسسات التعليمية فيحتاج إلى شجاعة سياسية تعيد النظر في العديد من النصوص القانونية مثل القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة.
لماذا تغيب الرقابة على المؤسسات التعليمية الخصوصية التي تفرض رسوم تأمين وخدمات مرتفعة دون مبررات واضحة؟
فيما يخص ارتفاع الأسعار بالمغرب بما فيها رسوم المؤسسات التعليمية فيجب على أولياء التلاميذ والتلميذات، بل يجب على كل المواطنات والمواطنين معرفة أن حكومة بنكيران قررت سنة 2012 قانونا (رقم 104.12الصادر بالجريدة الرسمية عدد – 6276 24 يوليو 2014 ) يطلق يد الأشخاص سواء الذاتيين أو الاعتباريين في تحديد قيمة سلعهم، وعليه فأثمنة السلع في المغرب محررة، ولكل واحد أن يبيع بالثمن الذي يعجبه، فنجد في المادة 2 من القانون 12.104: {باستثناء الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، تحدد أسعار السلع والمنتوجات والخدمات عن طريق المنافسة الحرة مع مراعاة أحكام الفقرة 2 بعده والمادتين 3 و 4 أدناه، ولا تطبق أحكام الفقرة الأولى أعلاه على السلع والمنتوجات والخدمات التي تحدد قائمتها بنص تنظيمي بعد استشارة مجلس المنافسة، ….}، وللإشارة فالدولة قامت بتقنين أسعار منتجين فقط، وهما الغاز والسكر، بينما تخضع باقي المواد لحرية التسعير، ورغم أن القانون يتحدث عن مجلس المنافسة فالقانون لا يعطيه كل الصلاحيات للقيام بأدواره كاملة.
لهذا وحسب القانون تعتبر المؤسسات حرة في تسعير سلعتها، وللزبون الحق في البحث عن مؤسسة أخرى تناسب قدرته الشرائية.
هل تعتقد أن الوزارة تقوم بدورها بشكل كاف لضبط الرسوم التي تفرضها المؤسسات التعليمية الخصوصية على أولياء الأمور؟
المؤسسات التعليمية تابعة لوزارة التربية الوطنية في شقين فقط، الشق التربوي والشق الإداري، ولهذا فالمراقبة الإدارية والتربوية التي تقوم بهما وزارة التربية الوطنية سنويا لكل المؤسسات تهم التدبير الإداري والتربوي وليس لها الحق في مراقبة الأمور المالية، تلك مهام وزارة المالية، وبالتالي ليس من حق الآباء مطالبة وزارة التربية الوطنية بتغيير واجبات التعليم.
ما هي التدابير التي يمكن أن تتخذها الوزارة لضمان عدم استغلال الأسر ماليا من قبل المؤسسات التعليمية الخصوصية؟
الأمر ليس بيد وزارة التربية الوطنية، بل بيد الحكومة، فهي من لها القدرة على تغيير قانون المنافسة، واعتبار التعليم والصحة ضمن المواد المقننة، أو تطبيق المادة الأولى من المرسوم رقم 2.14.652 بتاريخ فاتح دجنبر 2014 بتطبيق القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة؛ والتي تنص على “تحدد قائمة السلع والمنتوجات والخدمات المنصوص عليها في الفقرة الثانية بالمادة 2 من القانون المشار إليه أعلاه رقم 104.12 بقرار لرئيس الحكومة أو السلطة الحكومية المفوضة من لدنه لهذا الغرض، بعد استشارة مجلس المنافسة واستطلاع رأي لجنة الأسعار المشتركة بين الوزارات المنصوص عليها في المادة 35 من هذا المرسوم”.
وبدون هذا ستبقى الأمور على ما هي عليه الآن بل سترتفع أكثر مع الانفلات الحاصل في الأسعار اليوم.
كيف يمكن تعزيز الشفافية بين المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور فيما يتعلق بتحديد رسوم التأمين والخدمات؟
الأمر يرجع للمؤسسة والآباء معا، فهناك مؤسسات منفتحة على أولياء التلاميذ وتناقشها في عدد من الأمور، وهناك مؤسسات منغلقة على نفسها بل لا تفتح المجال للأولياء لمناقشة حتى مستويات أبنائهم، وكذلك هناك أولياء مواظبون على زيارة المؤسسة لمعرفة أحوال أبنائهم وهناك أولياء غير مهتمين بذلك، ومن حق الأولياء معرفة تفاصيل ما يسمى بمصاريف التسجيل والتأمين، والفائدة وزيارة مؤسسة التأمين لمعرفة المقدار الحقيقي لواجبات التأمين ومقارنتها بما تصرح به المؤسسة تفاديا للتدليس عليهم.
وهناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تعزيز الشفافية بين المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور فيما يتعلق بتحديد رسوم التأمين والخدمات. من بينها:
أولا، توفير معلومات شفافة ومفصلة حول تكاليف التأمين والخدمات المقدمة، بما في ذلك التفاصيل المالية والتوضيحات اللازمة.
ثانيا، إجراء اجتماعات دورية مع أولياء الأمور لمناقشة وتوضيح أسباب أي زيادات في التكاليف وما إذا كان هناك تحسينات في الخدمات.
ثالثا، إنشاء جمعية الآباء لمراجعة ومراقبة تكاليف التأمين والخدمات وتقديم توصيات.
رابعا، الاستماع إلى اقتراحات أولياء الأمور والتفاعل مع مخاوفهم واحتياجاتهم.
خامسا، استخدام تقنيات الاتصال الحديثة مثل البريد الإلكتروني والتطبيقات لإرسال تحديثات مستمرة حول الرسوم والخدمات.
هذه الخطوات يمكن أن تسهم في بناء علاقات متينة وشفافة بين المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور في مجال تحديد رسوم التأمين والخدمات.
تعليقات( 0 )