بقلم ابتسام مشكور
في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، حيث تُعلّق الآمال على أن يكون واجهة وطنية تعكس هوية المغرب وسيادته وتقدمه، ستصادفك صورة تجعلك تشعر للحظة أنك في مطار بن غوريون Ben Gurion International Airport بتل أبيب.
نعم، قد يتشابه عليك المطاران عندما تشاهد ملصق تشوير معلقا على حائط زجاجي، يضع “الشيكل”، العملة الإسرائيلية، في الواجهة. لكن لا تدعو ربك ليبين لنا ما هو، لأنك يقينا في المملكة المغربية.
مشهد غير قابل للتصديق رغم أنه حقيقة ماثلة أمامنا، يتكرر كلما قادتنا الأقدار إلى مغادرة الوطن عبر أكبر مطارات المملكة.
في ممر التفتيش الأمني بمطار محمد الخامس، حيث نمر دون أن نولي التفاصيل اهتماما، هناك ملصق إرشادي، مكتوب بلغة عربية “على قد الحال” وإنجليزية سليمة، يوضح للمسافرين كيفية وضع متعلقاتهم الشخصية قبل التفتيش: “هواتف، أجهزة إلكترونية، عملات معدنية” في الحاويات البلاستيكية قبل خضوعها للفحص بالأشعة السينية “الماسح الضوئي”. حتى هنا، يبدو الأمر عاديا، لكن ألا يكمن الشيطان في التفاصيل؟

يكفي قليل من التمعن لتكتشف أن الشيكل الإسرائيلي، بشمعدانه وغصن زيتونه، يتربع على صدر الملصق الإرشادي وكأنه عملة وطنية! المفترض أن الهدف الظاهري هو تنبيه المسافرين لإفراغ جيوبهم من العملات المعدنية، إلا أن الهدف الباطني لا يبدو بريئا، ويطرح أكثر من سؤال: لماذا تم اختيار الشيكل تحديدا؟ من صاحب هذه “الفتوى”؟ كيف حصل ذلك؟ ومن المستفيد؟ تساؤلات محيرة: هل نحن أمام خطأ بريء ارتكب في غفلة من المسؤولين؟ أم ضحية وكالة إشهار أجنبية أوكلت إليها المهمة دون مراقبة؟ أم أن الأمر رسالة غير معلنة؟

قد يرى البعض في هذا مجرد سهو إداري، لكن من يفقه في الاستراتيجيات الدعائية يعرف أن الاختراقات الرمزية لا تأتي عشوائيا.
إسرائيل ليست مجرد دولة توسعية، بل ماكينة إعلامية ونفسية تعمل على تسريب رموزها في اللاوعي الجماعي باستراتيجيات طويلة الأمد لترسيخ وجودها. شعارات، رموز، عملات… كلها أدوات للتطبيع الناعم، الذي يبدأ من التفاصيل الصغيرة ليصبح جزءا من حياتنا اليومية.
والمفارقة الأكثر قسوة أن هذا يحدث بينما يرفع المغاربة أصواتهم رفضا لجرائم الحرب التي ترتكب في غزة، حيث قُتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، فيما يصنّف القانون الدولي رئيس وزرائها مجرم حرب! ورغم كل هذا، يجد الشيكل طريقه إلى قلب مطارنا، بينما تغيب عملتنا الوطنية، درهمنا رمز سيادتنا وهويتنا؟ هذه ليست مجرد سقطة، بل هي صفعة مدوية للضمير الوطني، وإهانة لوعي المغاربة، وامتحان يضع التاريخ والحاضر والمستقبل على المحك.
المكتب الوطني للمطارات وإدارة مطار الدار البيضاء مطالبان بتوضيح رسمي للرأي العام. وقد حاولنا التواصل معهم عبر رسائل نصية ومكالمات هاتفية للحصول على تفسير بدون جدوى، الصمت في مثل هذه القضايا ليس خيارا، والتذاكي بالاختباء خلف التجاهل أو إغلاق الهواتف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاستفزاز.
المطارات ليست مجرد بوابات عبور، بل هي خطوط دفاع رمزية عن السيادة الوطنية، ومن يستهين بهذه التفاصيل الصغيرة عليه أن يتذكر أن الاختراقات تبدأ هامشية، ثم تتجذر حتى تصبح أمرا واقعا.
كما قال المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي: “إذا أردت أن تدمر أمة، فابدأ بمحو رموزها”، وهي عبارة تلخص حقيقة مرعبة: أخطر الحروب ليست تلك التي تُخاض بالأسلحة، بل التي تُخاض في الوعي. والآن، الكرة في ملعب الجهات المسؤولة: إما تصحيح هذا العبث فورا، أو أن يُفسَّر الصمت اعترافا بأن السيادة لم تعد أولوية، ولكم واسع النظر.