اجتمع كبار المسؤولين الأمريكيين والروس في السعودية لعقد أوسع محادثات بين البلدين منذ ثلاث سنوات، حيث اتفقوا على مواصلة التخطيط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وسط مخاوف في كييف وأوروبا من أن دونالد ترامب قد يدفع باتجاه تسوية تصب في مصلحة فلاديمير بوتين.
وعقب المحادثات التي استمرت قرابة 5 ساعات في قصر الدرعية بالرياض، قال وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو إن الجانبين اتفقا على تشكيل فريق رفيع المستوى لدعم محادثات السلام في أوكرانيا واستكشاف سبل تعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي.
وأظهرت التصريحات تحولا جذريا في نهج واشنطن تجاه موسكو، بعيدا عن سياسة إدارة بايدن التي ركزت على عزل روسيا.
وأكد روبيو أن إنهاء النزاع في أوكرانيا يجب أن يكون مقبولا لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك أوكرانيا وأوروبا وروسيا، مشيرا إلى أن الحلفاء الأوروبيين تم التشاور معهم بشأن الملف الأوكراني، رغم عدم حضور أي مسؤول أوكراني أو أوروبي الاجتماع.
وجلس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومستشار السياسة الخارجية للرئيس بوتين، يوري أوشاكوف، قبالة روبيو، الذي حضر المحادثات إلى جانب مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، والمبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
وبعد الاجتماع، قال أوشاكوف إن الجانبين اتفقا على استمرار المفاوضات بشأن أوكرانيا، كما تمت مناقشة شروط عقد قمة بين بوتين وترامب، رغم استبعاده حدوث ذلك قريبا.
لكن المحادثات في الرياض عكست تسارع الجهود الأمريكية لوقف النزاع، مما أثار قلق كييف وأوروبا، حيث يخشى المسؤولون من تهميشهم في المفاوضات.
ووصف أوشاكوف الاجتماع بأنه كان “إيجابيا” و”نقاشا جادا حول جميع القضايا”.
في المقابل، أكد المسؤولون الأوكرانيون أنهم لم يتلقوا دعوة لحضور المفاوضات، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال زيارته لأنقرة ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه غير مستعد للتنازل عن أي أراض لروسيا.
وأضاف زيلينسكي، خلال اجتماع مع ممثلي مجتمع تتار القرم: “الدبلوماسية لا تعني التخلي عن مصالح وسيادة دولتنا”.
وتعد المحادثات في الرياض أول محاولة جادة للتفاوض لإنهاء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب، حين انهارت المفاوضات بسبب مطالب بوتين.
ورغم التحركات الدبلوماسية المكثفة، لا تزال تفاصيل خطة ترامب للسلام في أوكرانيا غير واضحة، كما لم تتضح بعد مدى استعداد روسيا للانخراط في العملية.
واكتفى الطرفان بإصدار بيانات حذرة عقب المحادثات، ووصف روبيو الاجتماع بأنه “الخطوة الأولى في رحلة طويلة وصعبة”، مشددا على ضرورة أن يكون حل النزاع مقبولًا للجميع.
من جهته، قال كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، إن الطرفين بدءا في الاستماع إلى بعضهما البعض، لكنه أكد أنه من المبكر الحديث عن أي تنازلات.
قبل المحادثات، أعلنت روسيا أنها ستسعى إلى “تطبيع” العلاقات مع الولايات المتحدة ووضع أسس اتفاق سلام في أوكرانيا؛ ومع ذلك، قدمت واشنطن بالفعل عدة تنازلات كبيرة لموسكو، بما في ذلك إشارة إلى احتمال تخلي أوكرانيا عن طموحاتها في الانضمام إلى حلف الناتو وقبول خسائر إقليمية.
كما اقترح المسؤولون الأمريكيون إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار، وهو ما ناقشه الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين، لكن موسكو رفضت ذلك بشكل قاطع، حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو أن نشر قوات أوروبية في أوكرانيا سيكون “خطوة نحو التصعيد”.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “تاس”، قال لافروف إن روسيا لن تقدم أي تنازلات إقليمية لأوكرانيا خلال محادثات السلام.
ولم يعلق بوتين علنا على محادثات السعودية، لكنه قال لترامب خلال مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي إن روسيا تريد “تسوية أسباب الصراع”.
ويرى بعض المراقبين أن هذا يشير إلى أن موسكو قد لا تركز فقط على أوكرانيا، بل تسعى إلى إعادة تشكيل الأمن الأوروبي بأسره.
ومن المتوقع أن تشمل مطالب موسكو تجديد شروطها التي أعلنتها قبل غزوها الشامل عام 2021، والتي تضمنت أن تتبنى أوكرانيا وضعا محايدا، وأن يتوقف الناتو عن نشر أسلحته في الدول التي انضمت إليه بعد عام 1997، وهو ما قد يؤثر على معظم دول أوروبا الشرقية، بما في ذلك بولندا ودول البلطيق.
وبعد المحادثات، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن شروط جديدة للسلام، مطالبة “ليس فقط بضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، بل أيضا بإلغاء إعلان قمة بوخارست لعام 2008، الذي وعد أوكرانيا بعضوية مستقبلية دون تحديد جدول زمني”.
وتُعتبر المحادثات في الرياض فرصة للسعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتعزيز مكانتها كوسيط عالمي رئيس.
وكان بن سلمان قد وُصف بـ”المنبوذ” من قبل بايدن عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، لكنه بات يلعب دورا بارزا في الوساطة بين موسكو وواشنطن.
ومن المتوقع أن يزور زيلينسكي السعودية يوم الأربعاء، لكن أوكرانيا أكدت أن زيارته غير مرتبطة بالمحادثات الأمريكية-الروسية.
وأثارت الجهود الدبلوماسية الأمريكية مخاوف في كييف وعواصم أوروبية أخرى من احتمال التوصل إلى اتفاق أمريكي-روسي يُقصي حلفاء أوكرانيا. وفي هذا السياق، عقدت فرنسا اجتماعا طارئا لدول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يوم الإثنين لتنسيق الرد.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب الاجتماع، أنه تحدث مع ترامب وزيلينسكي، مؤكدا: “نسعى إلى سلام قوي ودائم في أوكرانيا. لتحقيق ذلك، يجب أن تنهي روسيا عدوانها، ويجب أن يكون هناك ضمانات أمنية قوية وموثوقة للأوكرانيين”.
ورغم هذه التحركات، لم يتم التوصل إلى أي إجراءات ملموسة، حيث لا تزال الانقسامات قائمة بين القادة الأوروبيين بشأن نشر قوات في أوكرانيا.