كشفت هيئة الإذاعة البريطانية الـ “بي بي سي”، أن المخازن الجماعية المعروفة باسم “إكودار”، تعد واحدة من أقدم الأنظمة البنكية في العالم، تأسست قبل أكثر من 500 عام على يد الأمازيغ، مبرزة أنها ليست مجرد مباني تاريخية، بل شهادة حية على الهندسة التقليدية المميزة والتعاون الاجتماعي من أجل التصدي للتحديات البيئية والحياتية.
وجاء في تقرير نشره موقع “بي بي سي” الإلكتروني، أن هذه المخازن تقع في منطقة سوس ماسة جنوب المغرب، ويُقدر عددها بحوالي 600 مخزن، منتشرة في جبال الأطلس الصغير القاحلة، وأضافت أن هذه المنشآت التاريخية المبنية من الحجارة والطين وجذوع النخيل، كانت تهدف إلى حماية ممتلكات القبائل من قطاع الطرق والصراعات القبلية وكذا الجفاف.
وواصل التقرير بأن قبائل المنطقة كانت تُخزن في “إكودار” مجموعة من المواد، من قبيل: الحبوب، والزيوت، والتمور، إضافة إلى المجوهرات والوثائق والمستندات القانونية.
وأوضحت الصحيفة أن “إكودار” لم تكن مجرد مخازن، بل كانت مراكز اجتماعية واقتصادية تُنظم فيها عمليات التبادل التجاري وتُعقد فيها الاجتماعات القبلية، حيث كانت القبائل تعمل معا لإدارة المخازن بنظام مشابه للتعاونيات الحديثة، حيث كانت كل قبيلة تُساهم بما لديها من فائض في الموارد من أجل العودة إليه عند الحاجة، ما يضمن استمرارية دعم أفراد القبيلة في الأزمات.
وأشارت “بي بي سي” إلى أن “إكودار” بنيت بتصميم يراعي الظروف الصحراوية الصعبة، حيث اعتمدت هذه المخازن على قنوات تهوية من شأنها أن تحافظ على درجات الحرارة المناسبة للمحاصيل، إلى جانب ممرات بين الأقبية تسمح للقطط بالمرور، وذلك لحماية هذه المحاصيل من القوارض.
وتابع التقرير مشيرت إلى أن قبائل المنطقة كانوا يعينون حراس يطلق عليهم اسم “الأمناء” وكانت مهمتهم الأساسية هي حراسة المخازن بشكل دائم، موضحة أنهم كانوا يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع نظرا لمسؤولياتهم في حماية الممتلكات، والإشراف على إدارة المخازن، فضلا عن دورهم في حل النزاعات القبلية.
وذكر التقرير البريطاني أنه وعلى الرغم من أن العديد من هذه المخازن قد تحول بالفعل إلى مواقع تاريخية، إلا أن بعض القبائل ما تزال تستخدمها إلى حدود اليوم، فقرية آيت كين، على سبيل المثال، ما تزال تستخدم هذه المخازن لحفظ المحاصيل والمجوهرات والوثائق العائلية، كما تُقام فيها المناسبات الاجتماعية والاحتفالات الدينية، ما يعكس استمرار هذا التراث في حياة الناس اليومية.
ولفت ذات المصدر إلى أن الحكومة المغربية في إطار عملها على مواجهة بعض التحديات، مثل: الزلازل والهجرة القروية، فإنها تعمل بالتعاون مع فنانين ومهندسين، على ترميم هذه المخازن التراثية، حيث أن هناك مجموعة من البرامج التدريبية الرامية إلى الحفاظ على أساليب البناء التقليدية باستخدام مواد طبيعية، من أجل ضمان استمرار “إكودار” كمنشأة شاهدة على التراث الأمازيغي وجمال المناظر الطبيعية التي تمتاز بها المنطقة.
وخلصت صحيفة “بي بي سي” إلى الإشارة إلى أن هذه المخازن الجماعية تشكل جزءا من الهوية الثقافية المغربية، إذ تجمع بين الماضي والحاضر، وتعكس قدرة المجتمعات على التكيف والتعاون فيما بينها في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية على مر العصور.
تعليقات( 0 )