عاشت المملكة على إيقاع نقاش مجتمعي حامي الوطيس، منذ تعيين الملك محمد السادس هيئة مسؤولة عن مراجعة مدونة الأسرة نهاية شهر شتنبر من السنة الفارطة، حيث طفت على السطح نقاشات واسعة تعكس عمق التباين الحاصل في التوجهات بين مختلف مكونات المجتمع المغربي.
هذا التباين بدا واضحا بشكل خاص بعد الإعلان الرسمي عن الخطوط العريضة التي عرضتها لجنة المراجعة على الملك محمد السادس، وحظيت بموافقة المجلس العلمي الأعلى.
في هذا السياق، أكدت رئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء بحزب التقدم والاشتراكية سومية منصف حجي، في تصريح خاص لمنبر “سفيركم”، بأن بناء مجتمع سوي ومتقدم لا يمكن أن يكون بمعزل عن تحقيق المساواة بين النساء والرجال، مشيرة إلى أن التعديلات التي قدمها حزب التقدم والاشتراكية للإسهام في إصلاح المدونة، “أخذت بعين الاعتبار الدور الذي أصبحت تلعبه المرأة في المجتمع، وكذلك التحولات التي طرأت على بنيته، إلى جانب مضامين دستور المملكة والمرجعيات الحقوقية الدولية التي انخرط فيها المغرب”.
وأضافت القيادية بحزب التقدم والاشتراكية، أن الهدف من الإصلاح هو ضمان حقوق جميع أطراف الأسرة بما يضمن المصلحة الفضلى للأطفال، ويحقق التوازن الأسري على مختلف المستويات، مشددة على أن الأسرة يجب أن تكون تحت مسؤولية الزوجين فعلا وقولا، سواء عند قيام العلاقة الزوجية أو عند الانفصال، مع الاحترام الكامل لحقوق المرأة وضمان حقوق الأطفال.
ووصفت الخطوط العريضة للتعديلات المقترحة، بـ”الإيجابية”، قائلة:” نرى في حزب التقدم والاشتراكية، بأن مطالبنا قد تم الاستجابة لها بشكل ملموس، مثل مسألة الشاهدين غير المسلمين، سن الزواج، النيابة القانونية، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج”.
كما نوّهت بإخراج بيت الزوجية من التركة والهبة، معتبرة بأنه خطوة مهمة لمنع الإضرار بالـ”حقوق الشرعية” في التعصيب، لافتة إلى أن مطالبهم كانت ترمي إلى تحديد سن الزواج في 18 سنة دون استثناء.
وأضافت بأن الصيغة الحالية لتقييد التعدد، تعتبر “حلا وسطا يوازن بين الإنهاء التام للتعدد والمرونة في تطبيقه”، مرحبة بمسألة احتفاظ الحاضن بالحضانة عند زواجها مرة ثانية.
وختمت حجي تصريحها لـ”سفيركم”، بالقول، “نحن مرتاحون لما تحقق حتى الآن، ولكننا سنستمر عبر فريقنا البرلماني التقدمي في نضالنا من أجل مكتسبات أكثر”، مؤكدة وعيهم بخصوصية المجتمع المغربي وسعيهم لإيجاد توافق مجتمعي يرضي جميع الأطراف”.
في المقابل، قال الرئيس السابق لرابطة علماء المسلمين، أحمد الريسوني،”إن الاتجاه العام للاجتهاد الرسمي المعتمد، بخصوص تعديلات المدونة، هو التضييق والضغط على الرجل: قبل زواجه، وأثناء زواجه، وفيما بعد الطلاق وبعد الممات”.
وتابع الريسوني، في تعليق نشرته صفحة مركز المقاصد للدراسات والبحوث على منصة “فيسبوك”، بأن المشكل الذي سيتفاقم جراء هذا التوجه، وسيرخي بمزيد من آثاره السلبية على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى، هو “دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج، وإلى الخوف من الزواج”، في مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة، المتاحة لحياة العزوبة و”العلاقات الحرة”، حسب تعبيره.
من جهتها اعتبرت بثنية قروري رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، بلاغ الديوان الملكي بمثابة إعلان عن محطة مهمة تندرج في مسار طويل من التشاور العمومي حول تعديل مدونة الاسرة بعد 20 سنة من التطبيق.
ونوهت في تصريحها لمنبر “سفيركم” بدعوة الملك لإحداث إطار ضمن هيكلة المجلس العلمي الأعلى لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة، مؤكدة أن هذا ما يجعل العلماء يقومون بدورهم المطلوب في مواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي وتوفير الاجتهادات الفقهية الضرورية للنوازل المستجدة.
وتابعت رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، “نتمنى أن تتم صياغة هذه المستجدات صياغة قانونية تستجيب للمقاصد الشرعية لإصلاح المدونة بما ينسجم مع الضوابط المؤطرة لأهداف هذا الإصلاح كما وضعه جلالة الملك والمتمثلة في الإسهام في حماية مؤسسة الأسرة”، موردة أن هذه الأخيرة تواجه اليوم تحديات قيمية كبيرة.
وارتباطا بنتائج الإحصاء، قالت قروري “إن الإحصاء كشف عن مجموعة من المعطيات المرتبطة ارتباطا وثيقا بالأسرة من قبيل انخفاض معدل الخصوبة وتباطؤ معدل النمو السكاني”، داعية إلى مراعاة هذه التغيرات في نص مدونة الأسرة، قصد تيسير سُبُل الزواج والتضييق على سبل انحلال عقد الزوجية بما يحقق استقرار مؤسسة الأسرة دوامها وكسب رهان التحدي الديموغرافي.