تناول الروائي والمفكر حسن أوريد مفهوم “المخزن”، متتبعا جذوره التاريخية، وتطوره ككيان سلطوي، وصولا إلى تجلياته الثقافية والطقوسية.
هذا المصطلح الذي قد يبدو بديهيا للمغاربة، يحمل في طياته دلالات مركبة، تتجاوز كونه مجرد جهاز حكم إلى كونه بنية متشابكة من السلطة، ترتكز على طقوس متوارثة وترتيبات اجتماعية متجذرة.
وأكد أوريد، خلال كلمة له ضمن احتضان مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، لقاء أدبيا ونقديا تحت عنوان ” المخزن كشخصية ورائية”، تمت فيه دراسة رواتين، الأولى بعنوان “عشت ثلاثمائة سنة ” للكاتب محمد حبيدة، والثانية له تحت عنوان ” الباشادور، الجمعة الماضي، أن “المخزن” ليس مجرد مرادف للدولة، بل هو السلطة في صيغتها المغربية التاريخية، مثلما “الاليزي” في فرنسا أو “الباب العالي” في الدولة العثمانية.
ولعل أفضل توصيف لهذه البنية، حسب أوريد، ما نقله عن باحماد، أحد رجالات الدولة، في أعقاب وفاة السلطان مولاي الحسن الأول، حينما شبه المخزن بـ”الخيمة” التي تستند إلى عمود الذي هو السلطان، بينما تشدها الأوتاد، وهم النخب والقوى المحلية التي تضمن استمرارية السلطة.
ورأى أوريد أن السلطة المخزنية لم تكن مجرد منظومة حكم، بل أفرزت ثقافة سياسية قائمة على الطقوس.
وأبرز هذه الطقوس هي البيعة، التي تمثل جوهر الشرعية السياسية، حيث كان هناك بيعات غير مكتملة، وبيعات تامة، وطقوس خاصة بصياغة وثيقة البيعة نفسها.
كما عرج أوريد إلى الحديث عن مفهوم السلام على السلطان الذي قال إنه لم يكن كما هو عليه اليوم، إذ لم يكن تقبيل اليد ممارسة شائعة، بل كان يقتصر الأمر على المقربين وهي ملفوفة في سلهام، بينما كان العرف السائد هو تقبيل الأرض أو الركاب، أو مجرد الانحناء.
إلى جانب الطقوس، يضيف أوريد، تتجلى في المخزن تقاليد ثقافية تحكم العلاقة بين السلطة والرعية، أبرزها العفو السلطاني، وهو تقليد كان يُمارس في مناسبات معينة، مثل الأعياد أو عند تولي سلطان جديد.
ومن أبلغ أشكال التوسل السلطاني، يشير أوريد إلى ما كان يسمى “المزاوكة”، حينما كانت القبائل تأتي مكبلة طلبا للصفح.
كما كانت هناك إشارات رمزية لطلب العفو، مثل نشر رداء أبيض، أو قلب النساء لملابسهن في إشارة إلى الحزن وطلب الرحمة من السلطان، يضيف أوريد.