كشف تقرير حديث أن العلاقات المغربية البولندية قد شهدت تحولات كبيرة عبر التاريخ، يمكن أن تؤسس لتعاون استراتيجي ثنائي ينبني على أسس تاريخية متينة ومصالح مشتركة، ورؤى متقاربة، على الرغم من اختلاف أولوياتهما الجغرافية والسياسية، مؤكدا على أهمية التعاون بين البلدين كضرورة لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة خصوصا في المجال الاقتصادي، والسياسي، والثقافي.
وأوضح هذا التقرير الذي نشره موقع “Defence 24” بعنوان “بولندا-المغرب: إمكانات غير مستغلة للتعاون”، أن العلاقات الرسمية بين البلدين قد بدأت في سنة 1959، عقب اعتراف بولندا باستقلال المغرب عام 1956، وافتتاحها قنصلية عامة في الدار البيضاء عام 1958، مبرزا أن روابطهما قد تعمقت خلال العقود التالية، من خلال زيارات رسمية رفيعة المستوى، أبرزها زيارة الملك الراحل الحسن الثاني إلى وارسو عام 1966، وزيارة رئيس الوزراء البولندي ييرزي بوزيك إلى الرباط عام 2000.
وذكر التقرير ذاته أن العلاقات المغربية البولندية لم تقتصر فقط على الجانب السياسي، بل شملت أيضا التعاون العلمي والتقني، حيث أسهم خبراء بولنديون في تطوير البنية التحتية المغربية، كما كانت بعض المحطات البارزة شاهدة على عمق الروابط الإنسانية بين البلدين، مثل: حضور الرئيس البولندي ألكسندر كفاشنيفسكي لجنازة الملك الحسن الثاني عام 1999، وزيارة رئيس الحكومة المغربية عباس الفاسي لبولندا لتقديم التعازي في وفاة الرئيس ليخ كاتشينسكي عام 2010.
ولفت المصدر ذاته إلى أنه على الرغم من اختلاف التحديات التي تواجه المغرب وبولندا، إلا أنهما يتوفران على قواسم مشتركة تتمثل أساسا في سعيهما لتحقيق الاستقرار الإقليمي، حيث أن بولندا، تهتم بقضايا الأمن الأوروبي، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، إذ تسعى إلى تأمين حدودها من المد الروسي، إلى جانب رغبتها في تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفي المقابل، يضع المغرب قضية الصحراء المغربية على رأس أولوياته، حيث يسعى لتعزيز الدعم الدولي لقضيته الأولى، التي حظيت بمساندة دول كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا.
وأشار إلى أن تنوع الأولويات المغربية البولندية، لا يشكل عائقا أمام تعاون البلدين، بل يشكل فرصة سانحة للتكامل، ولا سيما في مجالات مكافحة الإرهاب، وإدارة الهجرة، وتعزيز الأمن الإقليمي.
وفيما يخص التبادل التجاري بين البلدين، فقد أوضح التقرير أنه شهد نموا ملحوظا، إذ ارتفع من 410 ملايين دولار في سنة 2020 إلى 913 مليون دولار في سنة 2023، مضيفا أن الصادرات البولندية إلى المغرب تشمل الآلات، والحبوب، والمركبات، في الوقت الذي يوفر فيه المغرب فرصا استثمارية واعدة بفضل موقعه الاستراتيجي كبوابة نحو إفريقيا.
ومن أجل تحقيق تعاون اقتصادي أعمق بين البلدين، اقترح التقرير إمكانية استثمار بولندا خبرتها في إدارة أزمات الهجرة من أجل دعم جهود المغرب في تأمين حدوده الجنوبية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الأمن الغذائي، خاصة في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية على سلاسل التوريد العالمية.
واستطرد المصدر نفسه، أنه مع اقتراب بولندا من تولي رئاسة الاتحاد الأوروبي في عام 2025، يمكن أن يشكل تعزيز علاقاتها مع المغرب فرصة مهمة لتعزيز حضورها في شمال إفريقيا، لا سيما وأن المغرب يحظى بريادة إقليمية وقارية، مشيرا إلى أن تحقيق ذلك يتطلب تعزيز الدبلوماسية الثنائية من خلال زيارات رسمية رفيعة المستوى وتبني مشاريع مشتركة تُركز على التفاهم المتبادل والمصالح المشتركة.
وخلص التقرير إلى الإشارة إلى أن التبادل الثقافي والعلمي، يمكن أن يلعب بدوره دورا محوريا في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين البلدين، تخدم مصالح الطرفين في عالم يتسم بتغيرات سريعة ومتطلبات متزايدة للتعاون الدولي.