كشف خبير المناخ، محمد سعيد قروق أن الاحترار الأرضي وارتفاع منسوب مياه البحر، ظاهرتان تؤثران على السياحة الساحلية وتمثلان عرقلة كبيرة لمختلف الأنشطة التي تتطور أو تستقر على المناطق الساحلية، بما فيها السياحة وصناعة الترفيه.
وأوضح أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وخبير الأنظمة المناخية، محمد، سعيد قروق في تصريح قدمه لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن الاحترار الأرضي قد عمل على استقرار ما يسمى بـ”المناخ الجديد”، مضيفا أن المناخ الجديد هو نتيجة حتمية لارتفاع الميزانية الطاقية للأرض، التي عملت على رفع حرارة الأرض بطريقة مباشرة، بشكل سيؤثر على بقية المنظومة البيئية، مبرزا أن المناخ يوجد عند قمة الهرم المنظوماتي البيئي، وكل شيء سيتأثر به، وأهم ما سيتأثر بارتفاع الحرارة هو الدورة المائية، المرتبطة ارتباطا وثيقا بالطاقة وبالحرارة والخاضعة لها.
وواصل المتحدث ذاته قائلاً إن هذه العملية “تبدأ بالتبخر، فترتفع الحرارة ويرتفع معها التبخر، وبالتالي تصبح المياه التي تنتقل من الأرض إلى الهواء أكبر وأكثر مما كانت عليه من قبل أن ترتفع الحرارة، لكن كذلك الوعاء الجوي يعني الغلاف الجوي، تصبح له قدرة أعلى مما كانت عليه في حمل الأبخرة المائية، ما يؤدي إلى الجفاف، الذي يحدث حين يكون التبخر أعلى من التساقط، لذلك حينما ترتفع الحرارة تصبح الظواهر المرتبطة بالجفاف كثيرة جدا ومترددة بكثرة، وهذا ما يجعل كميات كبيرة من المياه المتواجدة على سطح الأرض أو في البحار تنتقل من السطح إلى الأجواء العليا”.
ولفت سعيد قروق إلى أن هذه العملية ليست الوحيدة التي تؤثر على منسوب مياه البحر، مشيرا إلى أنه بارتفاع الحرارة تحصل كذلك عملية ذوبان الجليد، سواء في القطبين الشمالي والجنوبي أو في الجبال العليا، والمناطق القريبة من القطب، واصفا هذه العملية بـ “الإيجابية” بالنسبة للمحيط، لأنها مياه كانت في القارة وعند ذوبانها التحقت بالمحيط، وعملية الذوبان هاته ستؤدي إلى رفع منسوب مياه المحيط، عكس ما يقوم به التبخر الذي يؤدي إلى نقص في مياه المحيط.
وتساءل خبير المناخ عن تأثير معادلة التبخر أو الذوبان على مستوى سطح البحر، لافتا إلى أن هذه النتيجة يمكن التوصل إليها بعد ملاحظة ما يحصل على مستوى سطح البحر، فإذا كان التبخر أعلى من ذوبان الجليد سيكون منخفض، أما إذا كانت العملية عكسية، يعني ذوبان أعلى من التبخر، فإن مستوى سطح البحر سيكون مرتفعا، مشيرا إلى أن منسوب سطح البحر الآن مرتفع وليس مستقرا ولا ينخفض، بمعنى أنه بالرغم من التبخر العالي، إلا أن عملية الذوبان تعد أعلى من التبخر.
وأردف المتحدث ذاته قائلا: “إن الحرارة تؤدي إلى ارتفاع حرارة المياه، والمياه الحارة تتمدد عكس المياه الباردة التي تتقلص، وبالتالي فارتفاع منسوب البحر سببه هو ارتفاع عملية الذوبان مقارنة بالتبخر، وكذلك ارتفاع حرارة مياه المحيط التي تؤدي إلى تمدد هذه المياه، وكنتيجة لذلك يرتفع مستوى سطح البحر، وهذا هو الخطر الكبير، الذي تمثله هذه العملية المرتبطة بالاحترار الأرضي على المناطق الساحلية بصفة عامة، ومنها المغرب بطبيعة الحال”.
وذكر أن هناك مجموعة من الأدلة في المغرب التي تؤكد أن مستوى سطح البحر يرتفع، قائلا: “يكفي أن نلاحظ ما يجري على مستوى كورنيش الدار البيضاء، بحيث أن واحدة من المنشآت التي كانت موجودة فوق السطح الصخري، أصبحت اليوم داخل البحر، يعني غمرتها المياه، وهذا ليس انخفاضا للسطح الأرضي، ولكنه ارتفاع لمياه البحر، ما يشكل خطرا كبيرا على مناطق متعددة في المغرب، لا سيما المناطق المنخفضة، وأهمها: حوض سبو وسيل سبو الذي يوجد في مستوى طبوغرافي منخفض، الشيء الذي يجعل المياه تتسرب بصعوبة في اتجاه البحر، وهذا ما سيمثل عرقلة أمام التسرب البحري في الأعوام المقبلة”.
وشدد سعيد قروق على أن هذه العملية تشكل عرقلة كبيرة على الأنشطة المختلفة التي تتطور أو تستقر على المناطق الساحلية، من قبيل: السياحة وصناعة الترفيه وغيرها، مستطردا أن مجموعة من المنشآت في المناطق الساحلية المهيئة للسياحة، تعرف تدميرا وتخريبا من قبل المياه، لا سيما أثناء وخارج فصل الصيف، ما يمثل عرقلة ضخمة لهذا النوع من الأنشطة.
وأشار خبير المناخ إلى أن ارتفاع منسوب البحر المرتبط بالاحترار الأرضي، يعرقل كذلك من عملية تهيئة التراب الوطني، لأنه بارتفاع منسوب البحر يتم غمر مجموعة من المناطق الساحلية، ولا سيما المنخفضة منها، وهذا الارتفاع في منسوب سطح البحر، يجعل تسرب المياه من القارة في اتجاه المحيط صعبا، بحيث أن الانحدار يصبح أقل مما كان عليه من قبل، وبالتالي تصبح العملية عكسية، فعوض أن تتسرب المياه القارية في اتجاه المحيط، فإن المياه البحرية هي التي تدخل في المجاري المائية وتتسرب إلى داخل المدن، وهو ما يطلق عليه “عملية الغمرة”، أي حينما يرتفع منسوب البحر تصبح عملية تصريف المياه المختلفة سواء منها العادمة أو مياه الأمطار، تصبح عرقلة ويكون البحر هو الذي يتسرب داخل المجاري المختلفة ويجعلها لا تعمل بالطريقة المألوفة.
وتجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي كان قد كشف في آخر تقرير له بعنوان “التغير المناخي وتأثيره على الاقتصاد الأزرق بالمغرب”، أن التغيرات المناخية التي يمر بها المغرب والتي تؤثر عليه بشكل كبير، يمكن أن تؤثر في أفق سنة 2035 على الوظائف المرتبطة بالسياحة بنسبة 32 في المائة.
تعليقات( 0 )