كشفت دراسة حديثة أن الحرمان من النوم يمكن أن يخرب الخلايا العصبية في الدماغ، حيث يسبب تغييرات في كيفية ارتباط خلايا الدماغ ببعضها البعض، مما يؤثر سلبا على التعلم والذاكرة.
وأكدت هذه الدراسة التي نشرت نتائجها للمرة الأولى في مجلة “Current Biology”، والتي أعادت مجلة “Science“، يوم أمس الجمعة، نشرها، أن ساعات قليلة من الحرمان من النوم تقلل من عدد أنواع المشابك العصبية، وهي الأماكن التي تلتقي فيها الخلايا العصبية، في مناطق الدماغ المرتبطة بالتعلم والذاكرة، ما يفسر دور النوم الأساسي في الحفاظ على الصحة الذهنية.
وفي هذا الصدد، أوضح ماركوس فرانك، عالم الأعصاب في جامعة ولاية واشنطن، أن الدراسة تعتبر إنجازا علميا كبيرا، على الرغم من أنه وباحثين آخرين يحذرون من أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه النتائج تشرح بشكل كامل الآثار الجانبية السلبية للحرمان من النوم.
وذكرت الدراسة أن الخلايا العصبية تلتقي وتتواصل عبر المواد الكيميائية في المشابك العصبية، مما يسمح للإشارات بالانتقال عبر الجهاز العصبي، مبرزة أن هناك تريليونات من هذه الوصلات في الدماغ البشري، تشكل وتعيد ترتيب دوائر من الخلايا العصبية التي تلتقط وتخزن المعلومات.
ومن جانبه، قال سيث جرانت، عالم الأعصاب في جامعة إدنبرة، إن الدراسات السابقة غالبا ما تعتبر المشابك العصبية ككيانات متشابهة، لكن فريقه اكتشف أن هذه الوصلات متنوعة بشكل مدهش، حيث تختلف في نوع المواد الكيميائية المستخدمة لنقل الإشارات، وكذلك في البنية وتكوين البروتينات في الخلايا العصبية المحيطة.
وقام الفريق المشرف على هذه الدراسة بالبحث في كيفية تأثير الحرمان من النوم على تغير هذه المجموعة من المشابك العصبية، التي أطلقوا عليها “السينابتوم”، ثم قارنوا بين الفئران التي حصلت على نوم طبيعي وتلك التي حرمت من النوم لمدة 6 ساعات إضافية.
وأظهرت صور الدماغ أن عدد المشابك العصبية لم يتغير كثيرا، لكن تنوع هذه المشابك انخفض بشكل ملحوظ لدى الفئران المحرومة من النوم، خصوصا في منطقتي القشرة الدماغية والفصين المرتبطين بالتعلم والذاكرة.
ولاحظ جرانت أن الأبحاث السابقة أظهرت أن الحرمان من النوم يمكن أن يبطئ عملية إنتاج البروتينات في الخلايا، لكن نتائج هذه الدراسة تشير إلى أن النوم يلعب دورا مهما في الحفاظ على تنوع المشابك العصبية في المناطق المرتبطة بالذاكرة، ما يفسر تراجع الذاكرة عند عدم الحصول على قسط كاف من النوم.
وذكرت الدراسة أنه يظل من غير الواضح ما إذا كانت هذه التغييرات تشرح بشكل كامل أسباب الشعور بالسوء بعد ليلة من دون نوم، أو لماذا نحتاج إلى النوم أساسا، حيث يقول دراجانا روغولجا، عالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد، إن أكبر تحد هو فهم التغييرات الوظيفية الناجمة عن هذه التغييرات في الدماغ.
وخلص ماركوس فرانك إلى الإشارة إلى أن هذه النتائج ما تزال لم تقدم تفسيرا واضحا لوظيفة النوم، لكنها تطرح وجهة نظر جديدة ومثيرة للاهتمام يمكن أن تفتح الباب أمام أبحاث ودراسات جديدة معمقة حول النوم.