يعلم متابعو مسار اتحاد يعقوب المنصور، هذا النادي الرباطي الذي انضم قبل أسبوع إلى قائمة أندية العاصمة الثلاث المتواجدة بالقسم الشرفي الأول، أن تحقيق الصعود هذا الموسم ليس خبرا مفاجئا.
بل نتيجة حتمية لنادٍ يمثل حيًّا من أحياء العاصمة، لكنه يتوفر على ما يغيب عن أندية مدن أخرى أغرقتها الإكراهات المادية والإدارية، فلم تستطع الخروج عن نطاق “تنشيط البطولة”.
ومصير مفروغ منه، لنادٍ يقف وراءه “وزير”، خاصة إذا كان وزيرًا للشباب والتواصل والثقافة، القطاعات التي تلامس جماهير الكرة بشكل خاص. هذا الوزير الذي كان يتخلّى عن ربطة العنق التي لا تفارق بعض الوزراء حتى في عطلة نهاية الأسبوع، ليصعد مدرجات التشجيع بملعب يعقوب المنصور، مترقبًا نتيجة المباريات ومواكبًا أداء الفريق.
في أحد لقاءاتي مع نور الدين البيضي، قال لي بالحرف: “كاين فرق معدودين على رؤوس الأصابع اللي عندهم الاستقرار المادي”، في إشارة إلى فرق المدن الكبرى، “أما ما تبقى جوج كيطلعو وجوج كيهبطو”. وهو كذلك.
ونرى كيف تتدافع الأندية “المغمورة” في أسفل سبورة الترتيب، حول الظفر بتذكرة البقاء في قسم الأضواء. تتطاحن فيما بينها بدرجة أولى، وبين مشاكل التحكيم، والأخطاء الإدارية الناتجة عن حداثة تجربة التسيير أو سوء تدبير القطاع بدرجة ثانية.
الحقيقة أن في المغرب، هناك بطولة تُلعب خارج الملاعب، حيث لا تُقاس المهارات بعدد التمريرات أو عدد المرات التي تصل فيها الكرة إلى شباك الخصم، بل بمتانة شبكة العلاقات والنفوذ السياسي للفريق. وكلما كان “السطاف السياسي” للفريق قويًّا، كانت النتائج مرضية للجماهير.
وكلما رضيت الجماهير، صعدت أسهم شعبية المسيّر. ورأينا جميعًا تفاعل محبّي الفريق مع بنسعيد في آخر مقابلة، كمن سجل هدفًا في وقت قاتل.
هل نقصد بذلك أن السياسي يؤثر في ما هو رياضي؟ نعم.
لكن هل نتحدث هنا عن شبهات فساد أو ما هو غير مشروع في تحصيل النتائج؟ ببساطة: لا. لأن الأمر أعمق من ذلك. فعندما تكون مسيّرًا متجذّرًا بإمكانيات مالية متفردة، لا تحتاج حتى للانخراط في منظومة البيع والشراء.
تستطيع توفير التداريب للاعبين في ملاعب بمواصفات جيدة، تستطيع أداء الأجور في وقتها، إنجاح التسويق الإعلامي، ومنح الاستقرار اللازم لطاقم تقني شاب. تستطيع ببساطة أن تصنع طريقًا غير محفوف بمخاطر مصاريف “المنازعات” وشبح “رفع المنع” وامتناع اللاعبين عن حصص التدريب.
وطبعًا، هذه ليست المرة الأولى التي يتقاطع فيها السياسي بالرياضي، فقد شكلت الأندية دائمًا وجهة مفضلة لعدد من الشخصيات السياسية، التي اختارت ربط اسمها بفريق من فرق كرة القدم، بحثًا عن الحظوة وتوسيع دائرة التأثير السياسي لتمتد إلى الجماهير الكروية، سواء عبر التسيير المباشر أو الدعم من خلف ستار.
حتى أصبح بإمكاننا القول إن هناك قاعدة تفيد بأن الوزير عندما يعشق فريقًا، تصبح طريقه نحو القمة أنجع من أي خطة لعب. فقد سبق بنسعيد، كلٌّ من لقجع، والبصري، وبوعبيد، وآخرون.
وإذا كان من عيب في تماس السياسي بتسيير الأندية الكروية، فسيكون هو انقطاع نَفَس هذه الفرق بعد انفصالها عن قبعة السياسي.
ورأينا جميعا كيف قُبرت النهضة السطاتية بعد البصري، وتحول “فرسان الشاوية” إلى أشباح الشاوية، بعد أن كانت تنعم في أحضان الوزير السابق المسؤول عن أم الوزارات.
في انتظار سياسة كروية حقيقية تحول مصدر “الحبة والبارود” من بيوت المسؤولين السياسيين إلى جهاز مستقل، كان بودنا أن نقول أنه في واقع الحال هو العصبة الاحترافية، لولا أن عنصر الاستقلالية لايزال مكتوبا بقلم رصاص داخل هذا الجهاز، تعبث به من حين لآخر الاعتبارات السياسية والرغبات الشخصية.