يعرف القطاع الفلاحي بالمغرب عدة إكراهات، خاصة بعد توالي سنوات الجفاف وتعرض الفرشة المائية للإجهاد، فضلا عما تعتبره أوساط، خاصة المعارضِة، “غيابا لحكامة مائية تعتمد الترشيد والتدبير الجيد للمخزون المائي ببلادنا”.
إكراهات مناخية وأخرى بشرية تظهر آثارها بالأساس على الفلاحة والفلاحين الصغار والمواطن المغربي كمستهلك، وهو أمر يستدعي من القائمين على القطاع، حسب خبراء، إعادة تقييم السياسة الفلاحية التي ركزت بالأساس على الرفع من الصادرات في إغفال شبه تام للسيادة الغذائية والاكتفاء الذاتي الوطني من المواد الغذائية.
وأفاد الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي بدر عريش، في ذات الصدد، أن القطاع الفلاحي بالمغرب تعاقبت عليه مجموعة من السياسات منذ الاستقلال إلى اليوم، من برامج وسياسات عمومية كان يتخذها صناع القرار تميزت في السنوات الأخيرة بتدخل الدولة في القطاع الفلاحي بشكل مباشر عبر مخطط المغرب الأخضر الذي بدأ في 2008 واعتبر مشروعا ضخما ضخت فيه مليارات من الدراهم، كان الهدف منه تحقيق طفرة في القطاع الفلاحي.
وقال عريش خلال لقاء له مع موقع “سفيركم” من خلال بودكاست “واش عايشين”، إن مخطط المغرب الأخضر في بدايته وتنزيله “كان بالاعتماد على مكتب الدراسات ‘ماكينزي’ الذي قام بدراسة قيمتها 3 مليارات سنتيم من أجل النموذج الفلاحي الذي يجب أن يكون بالمغرب في حين تم تغييب أطر مغربية في مجال الفلاحة من مهنيين وأساتذة باحثين وغيرهم”.
وأضاف أن هذه الدراسة أعطتنا نموذجا فلاحيا جزء كبير منه يعتمد على الفلاحة التصديرية والتي تتجه نحو دعم الفلاحين الكبار، حيث قدمت في الدعامة الأولى 120 مليار درهم موجهة للفلاحين الكبار في حين تم تخصيص 20 مليار درهم فقط للفلاحة التضامنية أو الفلاحين الصغار ، معتبرا أن هذا المعطى يعني بلغة الأرقام أن توجه الدولة كان واضحا وصريحا وهو دعم الفلاحين الكبار الذين يقومون بالفلاحة التصديرية.
وتابع الناشط النقابي حديثه بأن ” الدولة نجحت في تنمية الصادرات نحو الخارج وهي من الأهداف المعلنة منذ البداية ولكن في المقابل لم يستفد الفلاح الصغير”، مضيفا بالقول، “نعلم بأن الفلاح الصغير هو الذي ينتج الحاجيات الضرورية من غذاء المواطن المغربي”.
ويرى بدر عريش أن الدولة كان عليها قبل أن تنتقل لمخطط الجيل الأخضر، كان عليها تقييم المخطط الأخضر الذي صرفت عليه ملايير الدراهم.
وواصل “وإذا أردنا أن نذكر حصيلة المخطط الأخضر فأهمها أنها ساهمت في تنمية الصادرات ولكن التقييم الحقيقي هو هل بلادنا وفرت من هذا المخطط الاكتفاء الذاتي من المواد الأساسية من غذاء المواطن”، مؤكدا على أن سلة الغذاء لدى المواطن المغربي تشكو من خصاص وسنويا يتم استيراد المواد.
وأكد عريش أن السياسة الفلاحية التي لن تحقق السيادة الغذائية للبلاد، ليست في صالحه، وأن هذه السياسة “تعتمد على تصدير خيرات البلاد وإجهاد الثروة المائية بشكل كبير، إضافة إلى استفادة الفلاح الكبير من مجموعة امتيازات ومن إعفاءات ضريبية والأراضي بشكل تفضيلي ودعم مادي ويد عاملة رخيصة”.
وأشار إلى أن العمال الزراعيين “يتم استغلالهم من طرف الفلاحين الكبار بطريقة جشعة إضافة إلى أوضاعهم الكارثية”، وخير دليل، حسب عريش “هي الانتفاضة الأخيرة التي كانت بمنطقة اشتوكة آيت باها لهؤلاء العمال معبرين عن المآسي التي يعيشونها”.
أما بخصوص “السميك و”السماك” أوضح عريش أن الحوار الاجتماعي الذي جمع النقابات والحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب في 2011 اتفق على أن يكون التوحيد بين السميك والسماك و”الآن أزيد من 14 سنة ولم يطبق الاتفاق، وتم مرة أخرى التأكيد على هذه المسألة في الحوار الاجتماعي الأخير لـ 2022 وأن ذلك سيتم في أفق 2028 حيث ستكون المساواة التامة بين الحد الأدنى في الأجور بالقطاع الفلاحي ونظيره في القطاع الصناعي”.
وأبرز المتحدث أن المغرب من بين البلدان القليلة في العالم التي تعتمد على أجر في القطاع الفلاحي مختلف على باقي أجور القطاعات الأخرى ويصل تقريبا 30 درهما في اليوم، معتبرا أن “هذا التمييز القانوني الذي تعاني منه هذه الفئة من العمال الزراعيين تمس الأجر وساعات العمل إضافة لظروف عملهم ونقلهم”.
وعن مطالب الجامعة لفئة الفلاحين الصغار والعمال الزراعيين حدد ذلك الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في قبول الوزير الجديد للفلاحة باستقبال نقابة الفلاحين التابعة للجامعة والتي كان يرفض الوزير السابق استقبالهم بشكل قطعي.
وكشف على أن بالمغرب مليون ونصف فلاح صغير، مطالبهم الأساسية تهم الولوج للأرض والدعم المباشر وتوفير البذور والأسمدة بأثمنة تفضيلية وكذا ولوجهم للماء وتسويق منتوجاتهم بدون وسطاء.
ومن مطالبهم أيضا وفق المتحدث نفسه، تحفيظ الأراضي بشكل مجاني أو بأثمنة رمزية “لأن التسجيل بالمحافظة العقارية بلغت أثمنة قياسية والتي تتجاوز قدرة الفلاح الصغير، فهناك مشاكل كبيرة بالعالم القروية والتي تمس الفلاح الصغير ويجب الانكباب على حلها لتشجيع الفلاح والنهوض بالوضع الفلاحي”.
كما شدد على إعفاء الفلاحين الصغار من عدد من الديون خاصة بعد توالي سنوات الجفاف إما عن طريق إعفاء كلي أو بجدولة منطقية بمُدد زمنية معقولة، مؤكدا على أن عددا من الفلاحين صودرت أراضيهم بسبب عدم قدرتهم على تسديد اقساط الديون، مشددا على أن “الفلاح الصغير هو من يساهم في السيادة الغذائية للبلاد أما الفلاح الكبير فمنتوجاته من الضيعة إلى الباخرة”.