عقود وهمية للعمل في الخليج تنهي أحلام وآمال مغاربة

بين وعود براقة وأوهام زائفة، يقع العديد من الباحثين عن فرص أفضل، ضحية لشبكات احتيال تستغل آمالهم وطموحاتهم، وتغريهم بفرص عمل وهمية في الإمارات العربية المتحدة؛ ولا تقتصر هذه الجرائم على سرقة الأموال، بل تمتد إلى تدمير الآمال وسلب الكرامة، حيث يجد الضحايا أنفسهم غارقين في خيبة أمل بعد أن كانوا يحلمون بمستقبل مشرق في هذه الدولة الواعدة.

عندما يصبح الأمل ألما

بقلب يعتصره الألم، تروي “هـ.ل” من مدينة الصويرة، كيف حولت هذه الشبكات المحترفة في النصب، أملها في حياة جديدة، إلى ألم، مردفة: “بدأت قصتي عندما تعرفت على رجل مغربي يعيش في أبو ظبي، كان يدعي على صفحته في الفيسبوك أنه ساعد العديد من الأشخاص على الانتقال إلى دولة الإمارات والعمل فيها، أوهمني بأنه يستطيع تأمين عقد عمل لإبني البالغ من العمر 22 سنة في الإمارات”.

وأضافت الأم المكلومة، في حديث خاص مع جريدة “سفيركم” الإلكترونية: “بعد أن اتفقنا، طلب مني أن أرسل له 15 ألف درهم عبر حسابه البنكي، وهو ما فعلته بالفعل، لم يتأخر في إرسال عقد العمل، تأشيرة الدخول، وتذكرة السفر، وأثناء التواصل، أخبرني أنه سيلتقي بابني في المطار الساعة الرابعة صباحا، مؤكدا لي أن كل شيء سيكون على ما يرام”.

وكانت صدمة الضحية كبيرة عندما حان موعد السفر، حيث ذهبت رفقة ابنها إلى المطار، وكان الشخص الذي احتال عليها يتواصل معها باستمرار حتى وصلا، لكن عند وصولهما، اكتشفا أن جميع الوثائق مزورة، وأن تذكرة السفر قديمة وتعود لشخص آخر، إذ تم توقيف ابنها في المطار ومنعه من المرور، لتتضح حينها الحقيقة المؤلمة.

ومضت قائلة: “حاولت الاتصال به فورا لأستفسر عن الأمر، لكنه كان قد حظرني من جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد تعرضت لصدمة أكبر عندما اكتشفت أن هذا الشخص قام باختراق هاتفي، وحذف جميع الأدلة التي كانت بحوزتي ضده، كل المراسلات بيننا تم حذفها، ووجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه”، مؤكدة أنها لازالت مصدومة خصوصا وأنها وثقت به كثيرا، وكان يبدو لها رجلا متدينا جدا ولن يعرضها للنصب.

في قصة مماثلة، تقول السيدة “ن.أ” إنها تعرضت أيضا للنصب في قضية تأشيرة وهمية، موضحة أن شخصا أوهمها بأنه سيوفر لها عقد عمل بدوام كامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان من المقرر أن تعمل كنادلة براتب قدره 3200 درهم إماراتي، مع ساعات عمل محددة بـ 8 ساعات يوميا لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، بالإضافة إلى ذلك، كانت الوعود تتضمن إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة 30 يوما، ويوم عطلة أسبوعية مستحق الأجر.

ودفعت السيدة “ن.أ” لهذا الشخص مبلغ 20 ألف درهم، على أن تكمل له المبلغ المتبقي، الذي قدره 20 ألف درهم أخرى، بعد وصولها إلى الإمارات، ولكنها اكتشفت فيما بعد أنها وقعت ضحية لعملية احتيال.

من جهتها تحكي سيدة أخرى تعيش في الإمارات قصة مماثلة لما تعرضت له “هـ.ل” و”ن.أ”، حيث وقع ابن عمتها ضحية نصب بعد أن دفع 70 ألف درهم للحصول على تأشيرة إقامة لمدة عامين، ولكن بعد وصوله إلى الإمارات، اكتشف أن التأشيرة التي حصل عليها كانت تأشيرة زيارة لمدة شهرين فقط وليست إقامة كما وعده، مشيرة إلى أن “52 شخصا تعرضوا للنصب بنفس الطريقة”.

نصب واحتيال

وفي هذا السياق، أكد ياسين عبد الله، صاحب شركة تخليص معاملات ومؤثر توعوي في هذا المجال، على ضرورة إزالة فكرة الحصول على عقود عمل في الإمارات من الأذهان، مشددا على أن أي شخص يروج لعقود عمل هو نصاب ومحتال بغض النظر عن هويته.

وأوضح ياسين، في تصريح لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن التأشيرات السياحية يجب أن تتضمن تذاكر ذهاب وإياب، بالإضافة إلى حجز فندقي مؤكد، كما أشار إلى أهمية إتقان اللغة الإنجليزية للتواصل، مضيفا أن أي شخص يعد بتوفير جميع الوثائق للراغبين في العمل في الإمارات، يعني في غالب الأحيان أنه يستدرجهم للعمل في الدعارة، وقد وقع العديد من الأشخاص في مشاكل كبيرة بسبب هذه الأساليب.

ودعا ياسين عبد الله، المغاربة والمغربيات، إلى تجنب التعامل مع المصريين في هذا السياق، مؤكدا أن أغلبهم ينخرطون في عمليات نصب، وأنه لا يوجد شيء يسمى “عقود عمل” للإمارات.

عقود وهمية

ومن جهته قال أحمد انزو، صاحب شركة خاصة للسياحة والسفر وتخليص المعاملات: “نحن نعاني كثيرا من مشكلة عقود العمل الوهمية، فهناك العديد من الأشخاص يتعرضون للنصب، مما يسبب لنا الكثير من المتاعب، مضيفا: “نحن نحاول دائما التركيز على الجانب التوعوي والتوجيهي، لكن كما يعلم الجميع، النصابون يمتلكون أساليب متقنة لإقناع الناس وسرقة أموالهم”.

وأوضح أنزو في حديث مع جريدة “سفيركم”، أن “أغلبية الأشخاص يصلون إلى هنا في الإمارات بتأشيرات سياحية، ظنا منهم أنها تأشيرات عمل، لكن النصابين يقومون بتزوير هذه التأشيرات وتحويلها إلى تأشيرات عمل، والشخص المستهدف لا يدرك أنها مزورة، فهو يرى فقط تأشيرة عمل، وعند وصوله يكتشف أنه وقع ضحية للنصب، ليجد نفسه في الشارع دون سكن، دون عمل، وبدون أي شيء، بل وفي وضعية مخالفة للقانون، وبالنسبة لنا، هذا الوضع أصبح مرهقا جدا، حيث ازدادت هذه الحالات بشكل كبير في الفترة الأخيرة.”

جرائم تحت غطاء قانوني

في سياق متصل، تحدث الدكتور محمد بلفقيه محامي بهيئة طنجة، عن أهمية القوانين في استقرار المجتمعات، مشيرا إلى أن هذا الاستقرار قد يتعرض للخلل بسبب عدم فعالية تطبيق العقوبات والردع من قبل المؤسسات، مبرزا أن عقد العمل الدولي كأحد الأمثلة على ذلك، حيث يتم استغلاله في جرائم النصب والاحتيال والتزوير، دون أن يحظى بنقاش قانوني كاف.

واستعرض بالفقيه التركيبة القانونية لسياسة التجريم ومدى قدرتها على مواجهة هذه الجرائم، في محورين، متسائلا عن دور مدونة الشغل في إضفاء الشرعية على هذه العقود وعن فعالية المشرع الجنائي في التصدي لها؟

ويتعلق المحور الأول بالتنظيم القانوني لتأشيرات العمل من القانون إلى اللا قانون، حيث قال بالفقيه، إنه لا غرابة في كون الشغل ركنا من الأركان الرئيسية لحقوق الإنسان، إذ أنه يصون كرامة الإنسان واستقلاله عن غيره كما يتحدد على أساسه مركز الفرد داخل المجتمع وعلاقاته مع غيره من الأفراد.

وأوضح قائلا: نظرا للأهمية الدستورية لهذا الحق عمل المشرع المغربي على ضمانه سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، بحيث نظم المشرع المغربي عقود الشغل خارج التراب الوطني بموجب المادة 512 من القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل ووضع شروطا لها بحيث “يجب على الأجراء المغاربة المتوجهين إلى دولة أجنبية ليشغلوا فيها مناصب شغل بأجر، أن يتوفروا على عقود شغل مؤشر عليها من قبل المصالح المختصة لدى الدولة المهاجر إليها، ومن قبل السلطة الحكومية المغربية المكلفة بالشغل.

وأضاف بالفقيه أنه يجب أن تكون تلك العقود مطابقة للاتفاقيات المتعلقة باليد العاملة المبرمة مع دول أو مع هيئات المشغلين، في حالة وجود تلك الاتفاقيات، موضحا أن السلطة الحكومية المكلفة بالشغل تعمل على اختيار المهاجرين بناء على أهليتهم المهنية، والصحية، كما تقوم بكل الإجراءات الإدارية الضرورية لتوجههم إلى بلدا الاستقبال، بتنسيق مع الإدارات والمشغلين المعنيين.

وذكر المتحدث ذاته، أنه نظرا للموروث الثقافي والاجتماعي للعمل خارج التراب الوطني الذي يحظى بأهمية بالغة لدى مختلف شرائح المواطنين المغاربة، والذين لا يتوانوا في البحث عن تأشيرة الشغل خارج التراب الوطني، ولعل الإقبال على مثل هذه العقود جعله من صلب اهتمامات محترفي النصب والاحتيال والتزوير يستغلون الرغبة الجامحة للأفراد للإيقاع بهم.

واسترسل بالفقيه، قائلا: وبالتالي نجدنا في سياق الانتقال من تنظيم المشرع المغربي لعقد التشغيل بالخارج أو عقد التشغيل بالتأشيرة إلى جريمة النصب والاحتيال والتزوير في تأشيرة الشغل.

والمتتبع لسياسة التجريم والعقاب المغربية يجد المشرع المغربي حدد جملة من النصوص العامة التي من خلالها عمل على زجر كل الأفعال التي تندرج ضمن جرائم النصب والاحتيال والتزوير.

وفي المحور الثاني الذي يناقش التجريم والعقاب في بيع التأشيرات الوهمية، قال بالفقيه، إن التصرف بالبيع في تأشيرات العمل في الخارج سواء في الدول العربية أو الأوربية غالبا ما يسفر على جرائم تحت غطاء قانوني وهو التشغيل بالتأشيرة.

ونظرا لظهور أنماط احترافية تمتهن سلب أموال الناس بالباطل وذلك بالنصب والاستيلاء على أموال الأفراد الراغبين في العمل خارج التراب الوطني، عن طريق استخدام طرق احتيالية.

وأوضح في هذا السياق، أن المشرع المغربي عهد إلى حماية ضحايا هذه الجريمة والعمل على ردع مرتكبيها عن طريق نصوص القانون الجنائي.

ولفت المتحدث ذاته قائلا: ولعل التكييف القانوني لبيع تأشيرات التشغيل الوهمية يندرج ضمن سياق جريمة النصب والاحتيال، بحيث نجد المشرع المغربي حدد السياق العام والتقليدي لهذه الجريمة مكتفيا بسياسة التجريم والعقاب المنصوص عليها في القانون الجنائي. محددا بذلك هذه جريمة في الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي الذي نص على أنه: “يعد مرتكبا لجريمة النصب ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة، أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح غير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر.

وأشار ذات المصدر، إلى أن عقوبة الحبس ترفع إلى الضعف والحد الأقصى للغرامة إلى مائة ألف درهم إذا كان مرتكب الجريمة أحد الأشخاص الذين استعانوا بالجمهور في إصدار أسهم، أو سندات، أو أذونات، أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة بشركة أو بمؤسسه حصص، تجارية أو صناعية”.

كما أوضح هذا الأخير، أن جريمة النصب تتمثل في استعمال الشخص الاحتيال حتى يتمكن من خداع الضحية ويكون الاحتيال عن طريق استخدام إحدى الوسائل الاحتيالية التي نص عليها المشرع المغربي في الفصل السابق ومنها التأكيدات الخادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لأخطاء المجني عليه واشترط المشرع أن يكون استخدام الاحتيال بغرض الحصول على منفعة مالية سواء.

ودعا بالفقيه في تصريحه لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، المشرع المغربي إلى التسريع بوضع نظام قانوني ومؤسساتي محكم وشامل يسهر على تحديد الإجراءات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بالسهر على مسطرة منح عقود الشغل بالتأشيرة، لمنع المجال أمام ممتهني النصب والاحتيال في هذه العقود من استغلال ضعف الأفراد.

تعليقات( 0 )