احتفل المغاربة اليوم بعيد الأضحى المبارك، وسط أجواء إيمانية وروحانية، حيث أُقيمت صلاة العيد في المصليات والمساجد، وامتلأت المصليات بالمصلين رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا، في حُلّة العيد التي يتميز بها المغاربة من أزياء تقليدية يعظّمون بها هذه المناسبة الدينية.
وتميز عيد الأضحى هذه السنة باستجابة المغاربة للدعوة الملكية بعدم القيام بشعيرة نحر الأضحية، والتي سبق أن أهاب فيها الملك محمد السادس بالمغاربة الامتناع عن ذلك، لأسباب متعددة، منها ضعف القطيع الوطني من الأكباش، ومخاطر القضاء عليه إذا تم الذبح في العيد، إضافة إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها المملكة، وتوالي سنوات الجفاف وتأثيره السلبي على القطاع الفلاحي، وخاصة تربية المواشي.
وإذا كان العيد هذه السنة قد خلا من شعيرة نحر الأضحية، ومن المظاهر التي كانت ترافقها من ذبح وسلخ وشَيّ للرؤوس، وحتى من المهن الموسمية المرتبطة بها، فإن هذه ليست المرة الأولى التي قررت فيها المملكة عدم القيام بشعيرة نحر الأضحية، لأسباب متعددة.
إلغاء عيد الأضحى عام 1963
في سنة 1963، واجه المغرب تحديات اقتصادية كبيرة، وهو الذي بدأ للتو في عملية بناء مؤسسات الدولة، في سياق طبعته أزمة جفاف حادة أثّرت على الوضعية الفلاحية والاقتصادية بشكل عام، إلى جانب دخول المغرب والجزائر في حرب حدودية عُرفت بـ”حرب الرمال”، وما نتج عنها من استنزاف للموارد المالية والبشرية للدولة.
وتبعًا لذلك، قرر الملك الراحل الحسن الثاني إلغاء شعيرة ذبح الأضحية، بهدف توجيه الموارد المتاحة نحو إعادة بناء الاقتصاد الوطني وتخفيف الأعباء عن المواطنين.
إلغاء عيد الأضحى عام 1981
شهد المغرب في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات موجات جفاف حادة أثرت بشكل كبير جدًا على الإنتاج الفلاحي والثروة الحيوانية. وبسبب ارتفاع الطلب على الأضاحي مقابل عرض ضعيف لا يلبي هذا الطلب، ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ليس فقط أسعار الأضاحي بل شملت أيضا المواد الأساسية، مما أدى إلى هزات اجتماعية كبرى، أبرزها انتفاضة يونيو 1981.
وتدخل الملك الراحل الحسن الثاني مجددا، وقرر عدم القيام بشعيرة نحر الأضحية، لما كان ذلك سيخلفه من أزمة على مستوى القطيع الوطني واستقرار الأسعار، ومن أجل التخفيف من العبء الاقتصادي على المواطنين وحماية الثروة الحيوانية.
إلغاء عيد الأضحى عام 1996
في سنة 1996، وبفعل الجفاف الحاد الذي ساد مطلع التسعينيات، قرر الملك الحسن الثاني، للمرة الثالثة، دعوة المواطنين إلى عدم ممارسة شعيرة ذبح الأضاحي. وقد توجه برسالة إلى المواطنين تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري.
وجاء في نص الرسالة الملكية:”معلوم أن ذبح الأضحية، إذا كان سنة مؤكدة، فإن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق، بسبب ما سينال الماشية من إتلاف، وما سيطرأ على أسعارها من ارتفاع يضر بالغالبية العظمى من أبناء شعبنا، لا سيما ذوي الدخل المحدود منهم”.
إلغاء عيد الأضحى عام 2025
في 26 فبراير 2025، أعلن الملك محمد السادس، في رسالة ملكية تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلغاء شعيرة ذبح الأضحية لهذا العام، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها في عهده.
وجاء في الرسالة الملكية: “شعبي العزيز، لقد حرصنا، منذ أن تقلدنا الإمامة العظمى، مطوقين بالبيعة الوثقى، على توفير كل ما يلزم لشعبنا الوفي للقيام بشروط الدين، فرائضه وسننه، عباداته ومعاملاته، على مقتضى ما من الله به على الأمة المغربية من التشبث بالأركان، والالتزام بالمؤكد من السنن، والاحتفال بأيام الله، التي منها عيد الأضحى، الذي سيحل بعد أقل من أربعة أشهر”.
وأضاف: “الاحتفال بهذا العيد ليس مجرد مناسبة عابرة، بل يحمل دلالات دينية قوية، تجسد عمق ارتباط رعايانا الأوفياء بمظاهر ديننا الحنيف، وحرصهم على التقرب إلى الله عز وجل، وعلى تقوية الروابط الاجتماعية والعائلية من خلال هذه المناسبة الجليلة”.
وأشار الملك إلى أن: “حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضار ما تواجهه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية، ولهذه الغاية، وأخذًا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررًا محققًا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود”.
وقال الملك: “ومن منطلق الأمانة المنوطة بنا، كأمير للمؤمنين، والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزامًا بما ورد في قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة”.
وختم بالقول: “وسنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا، وسيرًا على سنة جدّنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: هذا لنفسي، وهذا عن أمتي”.
كما أهاب بالمغاربة أن “يحيوا عيد الأضحى إن شاء الله وفق طقوسه المعتادة ومعانيه الروحانية النبيلة، وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد، وإنفاق الصدقات، وصلة الرحم، وكل مظاهر التبريك والشكر لله على نعمه، مع طلب الأجر والثواب”.