مرت ثلاث سنوات بالتمام والكمال على إعلان إسبانيا موقفها الداعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء، كحل “واقعي وذو مصداقية”، وهو الموقف الذي فاجأ الجزائر في مارس 2022، وشكل ما يُشبه “الصدمة” لها ولجبهة البوليساريو، بالنظر إلى وزن إسبانيا في ملف الصحراء، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة بالمنطقة.
هذه الخطوة التي كانت – ولا تزال – واحدة من الاختراقات والنجاحات الدبلوماسية المهمة للمغرب في السنوات الأخيرة في ملف الصحراء، أثارت غضبا شديدا في قصر المرادية آنذاك، مما دفع بأصحاب القرار في الجزائر إلى سحب سفيرهم من مدريد، وتعليق معاهدة الصداقة والتعاون، في محاولة للضغط على الجارة الشمالية من أجل التراجع عن موقفها.
مرت ثلاث سنوات على تلك الخطوة، ولم تُغير إسبانيا موقفها، والشيء الوحيد الذي تغير هو أن الجزائر تراجعت عن غضبها مضطرة، وأعادت سفيرها إلى مدريد، دون أن تحقق شيئا من محاولات الضغط التي مارستها على إسبانيا، مما يعني “فشلا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا” في ملف الصحراء لصالح المغرب.
وفي هذه الأيام التي تؤرخ لمرور ثلاث سنوات على إعلان إسبانيا دعمها للمغرب في قضية الصحراء، تعيش الجزائر أزمة سياسية ودبلوماسية أخرى مماثلة لأزمتها منذ ثلاث سنوات مع إسبانيا، وهذه المرة مع فرنسا، والسبب هو نفسه، إعلان باريس دعمها لسيادة المغرب على الصحراء، باعتبار الحكم الذاتي هو المقترح الوحيد القابل للتطبيق.
ويبدو أن الجزائر لم تستفد، أو لا تريد أن تستفيد، من تجربتها “الفاشلة” مع إسبانيا، إذ يرى الكثير من المهتمين بنزاع الصحراء أن الجزائر تكرر “السيناريو الإسباني” مع فرنسا بحذافيره، وتأمل في تحقيق نتائج مختلفة، وهذا أمر مستبعد وفق الكثيرين، إذ من “المستحيل” أن تتراجع فرنسا عن خطوة دعم سيادة المغرب على الصحراء وفق تعبيرهم.
ويشير متتبعون آخرون إلى أن الجزائر في أزمتها مع فرنسا قد تخسر أكثر مما خسرته مع إسبانيا، ولا سيما أن باريس – بخلاف مدريد – قررت بدورها التصعيد ضد الجزائر، وتهدد بإيقاف وإلغاء مجموعة من الاتفاقيات التي تستفيد منها الجزائر، مثل اتفاقية 1968 للهجرة التي تمنح العديد من الامتيازات للمهاجرين الجزائريين داخل فرنسا مقارنة بباقي الجنسيات الأخرى.
كما أنه بخلاف إسبانيا، تتزامن أزمة الجزائر مع باريس مع صعود اليمين المتطرف في فرنسا، كما أن الحكومة الحالية تضم عددًا من الوزراء والمسؤولين اليمينيين الذين يتبنون سياسة مناهضة للجزائر، وكانوا يطالبون منذ سنوات بتعديل الاتفاقيات المبرمة مع الجزائر، وعلى رأسها اتفاقية الهجرة، الأمر الذي يُعقد الأزمة على الجزائر أكثر.
وتشير جميع القراءات السياسية للأزمة بين فرنسا والجزائر إلى أن الأخيرة تتجه نحو تكرار سيناريو الفشل الإسباني مع فرنسا، وقد يكون الفشل مع فرنسا أكثر عمقا وتأثيرا.