قال الدكتور محمد بلفقيه محامي بهيئة طنجة، إن تحقيق العدالة يعتبر أسمى قيمة في كل نظام قانوني، ومؤشر من مؤشرات الرقي والتحضر البشري، والمعيار الدال على الاحترام المكفول لآدمية الإنسان، والكفيلة بتوفير الحماية لحقوقه وحرياته الفردية والجماعية، والعدالة هاته لن تتحقق إلا عن طريق التطبيق السليم للقانون، ووعائهما الحاضن هو القضاء.
وأضاف المحامي محمد بلفقيه في تصريح لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، قائلا:” لعل حديثنا عن قضايا مغاربة الخارج الذين يتعرضون للنصب، ليس أمرا اعتباطيا أو بحثا تقليديا، لكون هذه الجريمة في تطور مستمر تبعا لنمو الظاهرة الإجرامية من جهة وتطور أساليبها والفئة المستهدفة من جهة أخرى” مؤكدا على أن الرهان الآن معقود على أجهزة الدولة للتصدي لهذه الجرائم وتحديد ملامح السياسة الجنائية لتوفير الحد الأقصى من الأمن القانوني والقضائي.
وأورد بلفقيه في السياق ذاته أنه “إذا كان تدخل النيابة العامة والقضاء يروم توفير شروط الحماية بمفهومها الواسع لمختلف فئات المجتمع على رأسهم مغاربة الخارج، فإنه يروم كذلك ذرء كافة المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها جراء المساس بحقوقهم المالية أو بإنسانيتهم”.
وأكد المحامي بهيئة طنجة على أن “الحديث عن تعامل الجهاز القضائي مع قضايا مغاربة الخارج الذين يتعرضون للنصب، يستوجب منا استحضار تطور الجهاز القضائي وكيفية تدبيره لعنصر الزمن في هذه الدعاوى. مبرزا على أنه لاشك، أن المتتبع لتطور القضاء المغربي سيرصد بوضوح السياسة الحديثة في تدبير الزمن القضائي للملفات وعلى الخصوص الملفات الجُنحية، والذي يسعى من خلاله إلى تكريس نوع من الحماية القضائية للحقوق والحريات، وتجسيد الانخراط الحقيقي للقضاء الجنائي في مسيرة الإصلاح بمقاربة واقعية مقاصدية تستهدف تحقيق العدالة الجنائية في شموليتها.
وفي هذا السياق؛ وتكريسا لتحقيق المحاكمة العادلة في زمن معقول، أوضح بلفقيه بأن المغاربة أصبحوا اليوم “أمام توجه مؤسساتي في تدبير المنازعات من خلال إمكانية تقديم الشكايات بشكل إلكتروني ومتابعتها كذلك من خلال موقع رئاسة النيابة العامةhttps://plaintes.pmp.ma/، ومن ثم أصبح معه عائق الانتقال إلى المحاكم وبُعد المسافة لا يؤثر في اللجوء إلى القضاء باعتباره العنصر الساهر على تحقيق الأمن في المجتمع”. مشيرا إلى أن هذا لا يكتمل إلا إذا ما توقفنا عند الإمكانات القضائية المساهمة في تطوير وتحقيق العدالة الجنائية عن بعد، من خلال الوقوف عند تدبير شكايات مغاربة الخارج إلكترونيا.
واعتبر بأن الحديث عن إمكانية تقديم الشكايات بشكل إلكتروني ودوره في تجاوز الحاجز الزماني والمكاني للالتجاء للقضاء، أتى في سياق غزو الرقمنة لكل مناحي الحياة “حتى أصبحنا أمام ظواهر إجرامية قديمة في قالب حديث أو ما يعرف بالإجرام الإلكتروني”.
وفي الإطار ذاته، يرى الدكتور محمد بلفقيه أن أهمية التدبير الإلكتروني للشكايات تتجلى في سياق خلق بيئة حمائية لمغاربة الخارج، وكفالة حقهم في الالتجاء للقضاء في موطن إقامتهم، في أفق التطبيق الفعلي للمحكمة الرقمية، وذلك من أجل تحقيق العدالة من خلال التقيد باللجوء إلى القضاء بإجراءات إلكترونية منظمة زمنيا، تستهدف بلوغ الحق الذي يحميه القانون في الوقت المحدد له.
وأوضح من خلال تصريحه، أن جريمة النصب ليست بمنأى عن تطور الظواهر الإجرامية حيث عرفت تطورا ملحوظا بفعل تطور التقنيات الحديثة مما يصعب معه تحديد رؤية التصدي لها في ظل التطور السريع لأساليب العمل والمعاملات التجارية والمصرفية التي تفوق إمكانات التتبع والبحث والتحقيق المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية، مضيفا أن هذا الأمر مكن ممتهني النصب من الاتصال بعدد أكبر من الضحايا واختراق الأنظمة المعلوماتية مما أدى الى تزايد حجم جريمة النصب عامة والمعلوماتية على الخصوص.
واسترسل بلفقيه قائلا “ولعلنا نسعى من خلال هذه المساهمة في بسط مظاهر الحماية المخولة لمغاربة الخارج والحرص على تأمين حقوقهم، وكذا الحديث عن سياسة التجريم في جريمة النصب. وحتى نكون أمام جريمة النصب لابد من تحقق مجموعة من الأركان والمحدد قانونا”.
وأكد بلفقيه على أن المشرع المغربي اعتبر من خلال مقتضيات الفصل 540 من القانون الجنائي، أنه يعد مرتكبا لجريمة النصب، كل من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة، أو اخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره، ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر.
وانطلاقا “من التأسيس القانوني فجريمة النصب نجدها تنتمي إلى زمرة الجرائم المالية، والتي أركانها لا تخرج عن الركن المادي والركن المعنوي”، يضيف بلفقيه.
وأوضح بلفيقه أن الركن المادي في جريمة النصب، يتجسد في ذلك السلوك الاجرامي الذي يتولد عنه أثر يعتمد به القانون هذا السلوك المكون للركن لجريمة النصب عبر الانترنيت في ثلاثة عناصر وهي:
1- نشاط إيجابي أو سلبي يتمثل في اتيان الجاني للاحتيال بالوسائل التي حددها الفصل 540 من القانون الجنائي.
2- نتيجة إجرامية تتمثل في دفع الجاني الضحية إلى القيام بعمل يضر بمصالحه شخصيا أو مصالح غيره وبغرض جلب مصلحة مالية سواء للجاني نفسه أو لأي كان.
3- وجود علاقة سببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة باعتبار أن النصب من جرائم النتيجة عند القضاء المغربي.
واعتبر المحامي محمد بلفقيه أن “الوسائل الاحتيالية العنصر الجوهري الذي يستخدمه ممتهنو النصب للإيقاع بالضحايا، بأنها كذب تدعمه مظاهر خارجية تستهدف التأثير على المجني عليه لحمله على تسليم ماله إلى الجاني بأمر من الأمور التي حددها القانون، من خلال إخفاء حقيقة الأمر”.
واستطرد بلفقيه “لعل لكل جريمة هدف وأساس جريمة النصب هو الوصول إلى المال والسيطرة عليه، وهذا يؤدي إلى القول بضرورة وجود علاقة سببية بين الوسائل الاحتيالية وبين الاستيلاء على المال، فالقواعد العامة تقضي بمسؤولية الشخص عن نتيجة النشاط الذي أتاه إذ بموجبها يمكن إسناد الاستيلاء على المال إلى الاحتيال الذي قام به الجاني على انتفاء العلاقة السببية، قد يجعل الواقع شروعا في الجريمة إذ توفرت شروطه”.
وتعد النتيجة الإجرامية أحد عناصر الركن المادي في الجريمة على جوار السلوك الاجرامي وعلاقته السببية، فجريمة الاحتيال تقتضي أن يكون المجني عليه قد تكبد خسارة مادية مست مصالحه المالية.
وواصل حديثه “في حين أن الركن المعنوي صنف جريمة النصب على أنها من الجرائم العمدية التي تستلزم توفر القصد الجنائي فيها، بحيث لا يكفي لقيام جريمة النصب استخدام الجاني للوسائل الاحتيالية وحصول التسليم للمال موضوع النصب وإنما يتعين توفر القصد الجنائي لدى الجاني من خلال انصراف إرادته في ارتكاب الجريمة، وهذه الجريمة لا تتحقق إلا بتوفر العلم والإرادة، فالعلم يتجلى في معرفة الجاني لوقائع كاذبة واتجاه الإرادة لإتيان الفعل الجرمي”.
وفي سبيل تحقيق النجاعة القضائية لفائدة المغاربة بالخارج، حيث تم تحديد الأسس التي تقوم عليها النجاعة القضائية والمتمثلة أساسا في الانخراط التدريجي للرقمنة، وذلك قصد التصدي لما يعانيه هؤلاء المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة.
وهذا يأتي في سياق وعي القضاء المغربي بثقل الالتزام الدستوري المرتبط بعقلنة الزمن القضائي للخصومة حيث قام بالاعتماد على مخطط رقمنه المحكمة في سبيل الوصول إلى المحكمة الرقمية.
وفي السياق نفسه ختم بلفقيه حديثه بطرح مجموعة من الأسئلة حيث قال ” في خضم الحديث عن الجهود المبذولة من طرف المؤسسات القضائية الساهرة على الأمن وحماية المواطنين يجعلنا نتساءل عن مصير إيداع الشكايات بشكل إلكتروني؟؟ وإذا ما تحدثنا عن إيداع الشكايات بشكل إلكتروني وما يحققه من ضمانات حمائية لمغاربة الخارج يجعلنا نتساءل عن الموارد البشرية الكفيلة بتفعيل هذا الشكاية ومواكبتها، وما هو مصير ومأل هذه الشكايات؟ وهل يتوفر جهاز النيابة العامة على موارد بشرية كافية لتنزيل التدبير الزمني للخصومة في أجل معقول؟؟”.