متاجر “كازيون” تدق المسمار الأخير في نعش “مول الحانوت” (فيديو)


اضطر العديد من ممتهني تجارة القرب “البقالة”، خلال السنوات الأخيرة، إلى إغلاق محلاتهم التجارية، والبحث عن مصادر رزق جديدة، بعد لعبهم لعقود طويلة دورا حاسما في تحقيق السلم الاجتماعي، عبر توفير المواد الأساسية للأسر المغربية، بتسهيلات كبيرة في كثير من الأحيان، من خلال اعتماد دفتر السلف “كناش الكريدي”.

وبدأت أزمة تجار القرب “موالين الحوانت”، تطفو على السطح، مباشرة بعد الترخيص لشركة “بيم” التركية، للدخول إلى المغرب، التي أغرقت كل الأحياء بمتاجرها العصرية، وتعرض سلعا متنوعة وبأسعار منخفضة، مقارنة مع تجار القرب، مما جعلها تستحوذ على أغلب زبناء “البقالة”، الذين أصبحت النسبة الأكبر من زبنائهم ممن يتعاملون بالسلف “الكريدي”.

المسمار الأخير، في نعش “البقالة”، دقته العلامة التجارية المصرية “كازيون”، بحر السنة الجارية، التي بدأت بدورها غزو الأحياء الشعبية بمختلف المدن المغربية، منافسة محلات بيم التركية، عبر فتح العشرات من المتاجر في العديد من المدن المغربية.

وتمركزت متاجر “كازيون” بالأساس في أحياء شعبية، وهي نفس الاستراتيجية التي تتبعها شركات أجنبية ومحلية من قبيل “بيم”، وأيضا كل من “مارجان ماركت” و”كارفور ماركت”، اللتين اتبعتا استراتيجية بيم بعد انتشارها بشكل واسع بالأحياء المغربية، واستحواذها على الغالبية العظمى للزبناء، لاعتمادها أساسا سياسة القرب، ثم الأسعار المنخفضة.

وهكذا، أصبح البقال الذي لا زال في متجره الصغير، بين مطرقة الشركة التركية “بيم”، وسندان “كازيون” المصرية، يقاوم لاستخلاص الديون المتراكمة على الأغلبية الساحقة من زبنائه، في محاولة منه لضمان استمرار تجارته، واستقرار أسرته، في وقت اضطر المئات من أقرانه إلى إعلان إفلاسهم وإغلاق محلاتهم التجارية التقليدية بشكل نهائي.

ويشار، إلى أن وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد السابق، مولاي حفيظ العلمي، أكد في بداية عام 2020، أنه أينما تواجدت بيم يغلق 60 تاجرا محلاتهم.

حميد منعم، تاجر سابق

في هذا السياق، اضطر الشاب حميد منعم، مؤخرا، إلى إغلاق محله التجاري، الذي كان يكسب منه قوته اليومي، منذ سنة 2010، بمدينة تمارة، بعد أن وجد نفسه مفلسا، ومثقلا بديون كراء المحل وموزعي السلع.

أكد منعم، في حديثه، مع جريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن تجارته كانت تسير بشكل جيد، قبل أن تفتح الشركة التركية “بيم” محلا بمحاذاة محله الصغير، وتبدأ تجارته بالتراجع شيئا فشيئا، قبل أن يفلس، قائلا: “أصبحت مفلسا لذلك اضطررت للإغلاق، ثم غيرت عملي من التجارة إلى العمل كمياوم بشركة خاصة، لم أستطع منافسة هذه المحلات التجارية ومواكبتها”.

  عبد الله شاكوك، تاجر

أما عبد الله شاكوك، الذي حاول مجابهة هذه الأزمة عبر تغيير شكل محله إلى متجر عصري، شبيه بالواجهات الكبرى، قال إن التجارة تعيش في أزمة كبيرة منذ انتشار المساحات الكبرى التي وضعت حدا نوعا ما لتجارة القرب، مبرزا أن التاجر الصغير يقدم خدمات مهمة بالحي الذي يتواجد به.

وأوضح شاكوك، في تصريح لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن الوزارة الوصية تقوم بخطوات غير مدروسة، مردفا: “فبدل إدخال شركات كبرى كان يجب إدماج التجار أصحاب المحلات الصغرى لإيجاد حل جدري وليس ترقيعي، فليس من المنطق أن تتضرر جهة لصالح جهة أخرى”.

وأكد شاكوك على أن البقال أو التاجر البسيط يصعب عليه مواكبة هذه المتاجر، مضيفا: “حاولت أن أغير من شكل المحل وعصرنته، ولكن بقي الحال على ما هو عليه، فمن الصعب أن ننافس هذه الشركات، كما لم يعد هناك إقبال كبير على “الحانوت” من طرف الزبناء”.

الطيب أيت أوباه، رئيس لجنة الإعلام والتواصل سابقا بغرفة التجارة بجهة الرباط

في هذا الصدد، قال الطيب أيت أوباه رئيس لجنة الإعلام والتواصل سابقا بغرفة التجارة بجهة الرباط، إن هذه الشركات عبارة عن شبكات أو سلاسل لمتاجر، يشترون بشكل جماعي السلع مستفيدين بذلك من تخفيضات وأثمنة مميزة، مشيرا إلى أن “مول الحانوت” يساير قوة هذه الشركات بالصمود والتحمل فقط.

وأبرز آيت أوباه، في تصريح لجريدة “سفيركم” الإلكترونية، أن عصرنة المحلات يمكن أن تعطي نتيجة ولكنها نسبية، مشيرا إلى أن عصرنة المحلات جاءت ضمن برنامج “رواج” الذي أكد على تغيير مظهر “مول الحانوت”.

وتساءل آيت أوباه مستنكرا: “لكن أين هو تطوير عقلية مول الحانوت حتى يواكب عقلية المتاجر الكبرى الجديدة التي تم استيرادها من بلدان أخرى وهي عالمية”.

واعتبر الطيب أيت أوباه، أن التجار يجب أن يتكتفوا فيما بينهم ويتحدوا، مشددا على ضرورة التوعية والتحسيس من طرف الغرف التجارية، لإيجاد حلول وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لأن تغيير المظهر وحده لا يكفي.

مصطفى النور رئيس المنظمة الوطنية للتجار والمهنيين المتحدين

بدوره، أكد مصطفى النور رئيس المنظمة الوطنية للتجار والمهنيين المتحدين، أن الواجهات التجارية الكبرى خلقت نوعا من الأزمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، موضحا أن صاحب “الحانوت” لا يستطيع مسايرة تغول هذه المحلات الكبرى.

وشدد النور، على أن البقال يضمن الحماية الاجتماعية داخل الحي، مشيرا إلى أنه “منذ انتشار المحلات الكبرى تم القضاء على تجارة القرب، ومنهم من أفلس ومنهم من غير التجارة بشكل كلي.

وأردف النور في حديثه ل”سفيركم”: “نحن كمنظمة توصلنا بعدة شكايات تتضمن معاناة التاجر الصغير من منافسة أسعار المحلات التجارية الكبرى وعدم قدرتهم على المواكبة”، موضحا أن المنظمة راسلت الجهات المعنية، لكن بدون جدوى.

ودعا مصطفى النور رئيس المنظمة الوطنية للتجار والمهنيين والمتحدين، الغرف التجارية وممثليها إلى الدفاع عن “البقال” وإيجاد حلول مستعجلة لهذه الأزمة.

عمر بوجخان، فاعل جمعوي مهتم بالشأن المحلي بمدينة تمارة 

في تصريح مماثل، اعتبر الفاعل الجمعوي والمهتم بالشأن المحلي بمدينة تمارة عمر بوجخان، أن “مول الحانوت” يخلق توازنا مهما في المجتمع، مبرزا أنه رغم موجة الأسواق الكبرى التي غزت الأحياء لا يزال “مول الحانوت” يحتفظ بمكانته بالمجتمع.

وأضاف بوجخان، أن علاقة “البقال” اليوم مع المواطن ترتكز أساسا على السلف الذي يكون بمثابة عقد ثقة مع الزبون في تعامله معه، مشددا على أن “المواطن لا يمكنه أن يستغني عن البقال بسبب التوازن الذي يخلقه”.

ونبه بوجخان إلى ضرورة تطوير البقال لنفسه معتبرا أن تأثير العولمة له دور كبير على تراجع “مول الحانوت” متمنيا أن تلتفت الوزارة الوصية لهذا القطاع، لأن هامش الربح لم يعد يكفيه لإعالة أسرته.

تعليقات( 0 )