يجد المغاربة الهولنديون أنفسهم في خضم حالة من الاستقطاب الاجتماعي والسياسي، مع تصاعد النفوذ اليميني المتطرف داخل الحكومة والبرلمان، هذا التحول في المشهد السياسي يغذي شعورا متزايدا لدى الجالية المغربية بعدم الانتماء، في بلد كان يوما مثالا للتعددية الثقافية.
جلسة حوار أم محاولة للاحتواء؟
وفي محاولة لتخفيف التوتر، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن تنظيم جلسة حوار في لاهاي مع الجالية المغربية الهولندية نهاية الشهر الجاري.
المبادرة، التي تهدف، حسب الداعين لها “جمع الأفكار والخبرات حول قضايا الهوية والاندماج”، قوبلت بآراء متباينة، فبينما رحب البعض بالفكرة، رأى آخرون أنها مجرد محاولة “للاحتواء” أو خطوة تكتيكية تخفي وراءها أجندة سياسية.
عبد الحكيم (إسم مستعار) وهو شاب مغربي هولندي يبلغ من العمر 35 عاما، قال لصحيفة دي كانتيكن الهولندية، التي استطلعت آراء مغاربة هولندا حول المبادرة، “هذه مجرد طريقة لتسهيل ترحيلنا في نهاية المطاف. لا أثق في الحكومة التي تسعى لإغلاق المدارس الإسلامية التي تزرع في أبنائنا القيم الدينية”.
وأبرز استطلاع الصحيفة الهولندية أن شعور عدم الثقة والغضب هذا، ليس استثناء، بل يعكس قلقا أوسع بين المغاربة الهولنديين.
اليمين المتطرف يغير قواعد اللعبة
وتأتي هذه المبادرة الحكومية في سياق سياسي مقلق، حيث أصبحت الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب الحرية (PVV)، لاعبا رئيسا في البرلمان.
هذا الحزب، المعروف بمواقفه العدائية تجاه المسلمين والمهاجرين، يُعتبر من قبل كثيرين تهديدا مباشرا لمبادئ المساواة التي نص عليها الدستور الهولندي.
ليلى أولاد الصادق، وهي موظفة في مؤسسة تعليمية، ترى أن المشكلة تكمن في سياسات الدولة، وتقول لذات المصدر الهولندي: “بدلا من بناء جسور التواصل، نرى الحكومة تزرع الانقسام.. صعود الأحزاب اليمينية يعكس هذا الواقع، حيث يُسمح لهم بانتهاك القيم الدستورية يوميا دون محاسبة”.
وأبرزت الصحيفة الهولندية أن ليلى، التي تنتمي لجيل ثالث من المغاربة الهولنديين، تشير إلى أن مجتمعها لا يزال يواجه صعوبة في تحقيق القبول الكامل رغم وجودهم في هولندا منذ أكثر من ستة عقود.
وسائل الإعلام وتأثير الصورة النمطية
ويلعب الإعلام دورا كبيرا في تأجيج الشعور بالتهميش، بلال بن عبد الكريم، كاتب وأستاذ جامعي، اعتبر في الإستطلاع أن “هناك تناقضا كبيرا بين الإنجازات التي تحققها الجالية المغربية والصورة السلبية التي يتم تضخيمها في الإعلام”، قائلا، “شبابنا يحققون نجاحات في التعليم، الثقافة، والرياضة، لكن هذه الإنجازات تُطمس تحت وطأة الصورة النمطية السلبية”.
المستقبل في ظل الرياح العاتية
ومع تصاعد الخطاب اليميني، يشعر العديد من المغاربة الهولنديين بالقلق على مستقبلهم، وخاصة مستقبل أبنائهم.
وأردف بن عبد الكريم بالقول “لدينا حزب يكره المغاربة والمسلمين في الحكومة. يبدو أن ما كان مرفوضا بالأمس أصبح اليوم مقبولا بل ومشروعا. نحن بحاجة إلى تحالفات قوية لمواجهة هذا المد المتطرف وضمان عدم تحولنا إلى مواطنين من الدرجة الثانية”.
ورغم هذه التحديات، تبقى هناك أصوات تدعو للتفاؤل، على غرار ليلى التي تشجع على “العمل” قائلة في استطلاع الصحيفة الهولندية، “علينا أن نستمر في العمل بجد والتأكيد على قيمتنا كمواطنين متساوين. قبول المغاربة لن يجعل هولندا أفضل فقط، بل سيجعلها نموذجا عالميا للتعايش”.